قيل : هي (١) المفاتيح ، وهي فارسية عربت.
وجائز أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : [(لَهُ مَقالِيدُ) أي :] له مفاتيح : جميع البركات والخيرات على أهل السموات والأرض ، يخبر أن ذلك كله بيده ، ليس بيد أحد سواه ، منه يطلب ذلك ، ومنه يستفاد ، والله أعلم.
ثم لم يفهم مما أضيف إليه من المقاليد ما يفهم من مقاليد الخلق لو أضيف إليهم ؛ فكيف فهم مما أضيف إليه : من مجيء ، أو استواء ، وغير ذلك ما فهم مما أضيف إلى الخلق ، والله الموفق؟
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).
كأن الله ـ عزوجل ـ جعل هذه الدنيا وما فيها لأهلها ، وبين أحوالهم ، يتخيرون بها ويشترون بها الآخرة ، ويتزودون لها ؛ ولذلك قال ـ عزوجل ـ : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) [البقرة : ٢٠٧] ، وقوله ـ عزوجل ـ : (يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) [النساء : ٧٤] فمن [لم] يتزود [لم] يجعلها بلغة إلى الآخرة سمى : خاسرا مغبونا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ).
دلت هذه الآية على أن سفه أولئك الكفرة قد بلغ غايته ، وجاوز حده ؛ حتى دعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى عبادة من دونه ؛ بعد ما عرفوا فضيلة الرسالة والرسول وخصوصيته ؛ حتى أنكروا الرسالة في البشر ، وبعث البشر رسولا ، فلو لا ما وقع عندهم من الفضيلة للرسول ، والخصوصية له ؛ وإلا لم يحتمل أن ينكروا وضعها في البشر وبعث البشر رسولا ، ثم قد أتاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم من البيان والحجج ما قد قرر عندهم أنه الرسول إليهم ، فمع ما تقرر عندهم ذلك دعوه إلى أن يعبد غير الله دونه ، فيكون لهم ، فهذا منهم تناقض في القول وسفه ؛ حين صيروا المفضل والمخصوص بالرسالة في العبادة من دونه كغير المفضل والمخصوص بها ـ والله أعلم ـ ليعلم أنهم لسفههم وتعنتهم كانوا يدعونه إلى عبادة من دون الله ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَيُّهَا الْجاهِلُونَ).
سماهم : جهلة بما أمروه ودعوه إلى عبادة غير الله ، وكذلك قال موسى ـ عليهالسلام ـ لقومه حين سألوا موسى أن يجعل لهم إلها كما لهم آلهة ؛ فقال : (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [الأعراف : ١٣٨].
__________________
(١) قاله مجاهد أخرجه الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر كما في الدر المنثور (٥ / ٦٢٥) ، وهو قول ابن عباس وقتادة والسدي وابن زيد.