وقال محمد بن إسحاق : إنهم كانوا إذا سافروا فلا يهتدون إلا بالنجوم ، فبنوا القصور الطوال عبثا علما بكل طريق يهتدون بها في طرقهم.
وقال بعضهم : مصانع ، أي : مجالس ومساكن لعلكم تخلدون ما بقيت مصانعكم.
والجبار : هو الذي يضرب أو يقتل بلا حق بلا خوف تبعة في العاقبة.
وقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) : قد ذكرناه.
وقوله : (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ) أمدكم : قيل : أعطاكم وهو من المدد ، أي : أعطاكم النعم تباعا واحدة بعد واحدة لا تنقطع.
ثم هو يحتمل وجهين :
أحدهما : اتقوا كفران الذي أعطاكم النعم ، فلا توجهوا شكرها إلى من لم ينعم عليكم ولم يمدها لكم وأنتم تعلمون ، وهو عبادتهم الأصنام التي لا يقدرون على إعطاء شيء من النعم.
والثاني : اتقوا نقمة الله [الذي] أعطاكم هذه النعم ؛ فإن الذي قدر على إنعامها قدر على الانتقام منكم.
وعلى التأويل الأول : اتقوا كفرانها ؛ فإن الذي قدر على إعطائها قدر على صرفها عنكم على هذين الوجهين ، والله أعلم.
ثم ذكر الذي أمده لهم من النعم فقال : (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ* وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) : هذا وغيره مما لا يحصى.
(إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) : قال بعضهم : (إِنِّي أَخافُ) أي : أعلم أن ينزل بكم عذاب يوم عظيم.
وقال بعضهم : الخوف هاهنا هو الخوف نفسه ؛ لأنه كان يرجو الإيمان منهم بعد ، فقال : إني أخاف عليكم العذاب إذا متم على هذا ، فقالوا عند ذلك جوابا له : (سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) : الوعظ : هو الإخبار عن عواقب الأمور من ترغيب وترهيب ، أي : سواء علينا تخوفنا العذاب أو لم تخوفنا لا نصدقك ، ولا نجيبك إلى ما تدعونا إليه.
ثم قالوا : (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) : قيل فيه بوجوه :
أحدها : أي : هذا الذي نحن عليه دين الأولين ، وما أتيت أنت وتدعونا إليه هو حادث بديع.
والخلق : يجوز أن يكنى به عن الدين ؛ كقوله : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) أي : لدين الله.