أي : حاذقين مجيدين ، أي : لهم حذاقة وبصر في نحت البيوت في الجبال ؛ يقال : فلان فاره في أمر كذا ، أي : حاذق.
و (فارِهِينَ) : أشرين بطرين ، أي : فرحين.
قال القتبي (١) : والفرح : قد يكون السرور ، ويكون الأشر ، ومنه قول الله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) أي : الأشرين.
قال : ومن قرأها (فارِهِينَ) ـ بالألف ـ فهي لغة أخرى ؛ يقال : فره ، وفاره ؛ كما يقال : فرح ، فارح ، ويقال : فارهين : حاذقين.
وقال أبو عوسجة : فارهين وفرحين ، أي : مسرورين ، ويقال : فره يفره فرها ، فهو فره وفاره.
وقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ. وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) : يقول ـ والله أعلم ـ : اتقوا نقمة الله في مخالفتكم أمره ، وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين ، أي : لا تطيعوا أمر من ظهر لكم منه الإسراف والفساد ، ولكن أطيعوا أمري ؛ إذا لم يظهر لكم مني إسراف ولا فساد ، ولا تطيعوا الذين تعلمون أنهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
أو أن يكون قوله : (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) مؤخرا عن قوله : (ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) ؛ يقول لهم صالح : تتركون طاعتي والإجابة لي لأني بشر مثلكم ؛ فلا تطيعوا إذن بشرا هو دوني ، وهم الذين ظهر لكم منهم الفساد والإسراف ، ولم يظهر لكم مني شيء : يخبر عن سفههم وقلة تمييزهم ؛ حيث تركوا اتباع الرسل وطاعتهم ؛ لأنهم بشر دونهم في كل شيء ، ثم أجابوا صالحا في قوله : (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ).
فقالوا : (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) : اختلف فيه :
قال بعضهم (٢) : يقولون : إنما أنت سوقة مثلنا ، لست بأفضلنا ، وإنما نتبع نحن الملوك وذا ثروة من المال ، وأنت لست بملك ولا لك ثروة ، فهم ـ والله أعلم ـ طعنوا صالحا كما طعن كفار مكة رسول الله حيث قالوا : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) [الفرقان : ٧].
وقال بعضهم (٣) : يقولون : أنت بشر مثلنا في المنزلة ، لا تفضلنا بشيء لست بملك ولا رسول ، (فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) بأنك رسول ، فنتبعك كما أطعنا أولئك وأولئك.
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن (٣١٩).
(٢) قاله عاصم أخرجه عبد بن حميد عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٧٢).
(٣) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير عنه (٤٦٨) ، وانظر : الدر المنثور (٥ / ١٧٢).