يقل : إذ قال لهم أخوهم شعيب ، وقال في سورة هود حيث قال : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً ...) الآية [الأعراف : ٨٥] ، كان من نسل أهل مدين ، ويقولون : إن شعيبا كان بعث إلى أهل مدين وهو كان منهم ، وإلى أصحاب الأيكة وهو لم يكن منهم ؛ لذلك قال ثم : أخاهم ولم يقل هاهنا.
لكن ليس فيما لم يقل : إنه أخوهم ما يدل أنه لم يكن من نسلهم ولا من نسبهم ؛ لأن جميع أولاد آدم إخوة ، إذ يسمى جميع البشر بنيه ؛ فعلى ذلك أولاده إخوة وأخوات.
ثم لا ندري أن مدين غير الأيكة والأيكة غير مدين ، فبعث شعيب إليهم جميعا أو هما واحد نسبوا إلى الأيكة مرة وإلى مدين ثانيا ، والله أعلم.
وقال القتبي (١) : الأيكة : الغيضة ، وجمعها : أيك.
وقال أبو عوسجة (٢) : الأيكة : شجرة ، والأيك : جمع أيكة ، وقال : لا أعرف «ليكة» بلا ألف ؛ وكذلك قال أبو عبيدة (٣).
وقال أبو زيد (٤) : أصحاب الأيكة أصحاب بادية ، والله أعلم.
وقوله : (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) ؛ وكذلك قال لأهل مدين في سورة هود : (وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) ، ذكر فيهما جميعا إيفاء الكيل ، فلسنا ندري أنه قد ظهر فيهما جميعا نقصان الكيل والوزن ، فأمرهما بإيفاء ذلك لو كانت القصة واحدة فذكر فيهما ذلك.
ثم في قوله : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) جواز الاستدلال من وجهين :
أحدهما : وقوع المبيع بملك المشتري ، وإن لم يقبضه المشتري.
والثاني : جواز بيع الجزء من الكيلي والوزني شائعا من الكل ؛ لأنه قال : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) ، أضاف الأشياء إلى الناس ونسبها إليهم ، فلولا أن ذلك ملك لهم وإلا لم تكن أشياءهم ، ولكن كانت أشياء هؤلاء ؛ إذ لا يخلو ذلك إما أن كان ثمنا أو كان مبيعا ، فكيفما كان فهو موصوف بالملك لهم دون الذين عليهم إيفاء ذلك.
وقوله : (أَوْفُوا الْكَيْلَ) : كأنه قال : أوفوا الكيل والوزن فيما عليكم إيفاؤه ، ولا تستوفوا
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٦٧٤٦) ، عن ابن عباس.
وينظر : تفسير غريب القرآن (٣٢٠).
(٢) أخرجه ابن جرير (٢٦٧٤٧) و (٢٦٧٤٨) ، عن ابن عباس.
وينظر : اللباب (١٥ / ٧٠ ، ٧١).
(٣) ينظر : مجاز القرآن (٢ / ٩٠).
(٤) أخرجه ابن جرير (٢٦٧٤٩).