من الناس أكثر مما لكم عليهم.
(وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) القسطاس : قال بعضهم : العدل ، أي : وزنوا للناس حقوقهم بالعدل ولا تنقصوها.
وقال بعضهم (١) : القسطاس : هو القبان وهو الميزان.
وقوله : (الْمُسْتَقِيمِ) : المستوي ؛ كأنه قال : وزنوا بالميزان المستوي ، لا تجعلوا إحدى الكفتين أثقل من الأخرى ؛ كأنهم يجعلون الكفة التي يوفون بها حقوق الناس أثقل ، والكفة التي يستوفون بها من الناس أخف ، فأمرهم أن يسووا الكفتين جميعا.
وقوله : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) أي : لا تفسدوا فيها.
وقوله : (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) أي : اتقوا نقمة الذي خلقكم وخلق الجبلة الأولين ، أي : كيف عذبهم وانتقم منهم بظلمهم. والجبلة : هي الخليقة ؛ يقال : جبل أي : خلق.
(قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) : قال بعضهم : هو الذي سحر مرة بعد مرة ؛ فعلى هذا التأويل يكون إنما أنت من المسحورين ، لكن التشديد للتكثير.
وقال بعضهم : إنما أنت مخلوق وبشر مثلنا ، وقد ذكرناه.
وقوله : (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) : هذا يدل أنهم إنما قالوا ذلك ظنّا منهم لا يقينا وحقا.
(فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) : سألوا شعيبا العذاب على التعنت ، كما سأل غيرهم : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال : ٣٢] ، فنزل بهم العذاب من حيث سألوا من السماء.
وعن الحسن (٢) قال : سلط الله الحر على قوم شعيب سبعة أيام ولياليهن ، حتى كانوا لا ينتفعون بظل بيت ولا ببرد ماء ، ثم رفعت لهم سحابة في البرية فوجدوا تحتها الروح ، فجعل بعضهم يدعو بعضا ، حتى إذا اجتمعوا تحتها أشعلها الله نارا فأحرقتهم ، فذلك قوله : (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ...) الآية [الشعراء : ١٨٩].
وقال بعضهم : سقطت عليهم تلك السحابة فقتلتهم.
والظلة : قال أبو عوسجة : حر شديد.
__________________
(١) قاله ابن جرير (٩ / ٤٧٢).
(٢) أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٧٥).