قليلا ولبكيتم كثيرا» ، قالوا : يا رسول الله وما رأيت؟ قال : «رأيت الجنة والنار» (١).
وقال بعضهم (٢) : يراك حين تقوم إلى الصلاة فتصلي وحدك ، ويراك مع المصلين في جماعة ؛ وهو مثل الأول.
وفي حرف حفصة : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)(٣).
(إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) : السميع لمقالتهم مما يخفون ويسرون وما يعلنون ، والعليم : بضمائرهم وخفياتهم.
أو السميع : المجيب لمن دعاه ، العليم : بأفعالهم وأعمالهم.
قوله تعالى : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣) وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٢٢٧)
وقوله : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ. تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) : خرج هذا ـ والله أعلم ـ وما تقدم ذكره من الآيات جوابا لقول كان من رؤساء الكفرة وقادتهم لا يزالون يلبسون على أتباعهم والسفلة أمر رسول الله وما ينزل ، فقالوا مرة : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [الأنعام : ٢٥] ، ومرة : (ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً) [سبأ : ٤٣] ، وأنه شاعر وأنه ساحر ، ومرة قالوا : (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) ، وأمثال هذا ، فجائز أن كان منهم ـ أيضا ـ قول : إن الشياطين هم الذين يتنزلون بهذا القرآن عليه ، على ما ذكر أنهم قالوا : يجيء به الرئي ـ وهو الشيطان ـ فيلقيه على لسانه ، فقال عند ذلك جوابا لهم : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ. وَما يَنْبَغِي لَهُمْ ...) الآية ، ولكن إنما يتنزل به جبريل حيث قال : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ ...) الآية [النحل : ١٠٢].
ثم أخبر عن الشياطين أنهم على من ينزلون حيث قال : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) فقال : (تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) ، ذكر هذا لما عرفوا هم أن الشياطين لا يتنزلون
__________________
(١) أخرجه مسلم (١ / ٣٢٠) ، كتاب الصلاة : باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما (١١٢ / ٤٢٦) ، وأحمد (٣ / ١٠٢) ، والنسائي (٣ / ٨٣) ، كتاب السهو : باب النهي عن مبادرة الإمام بالانصراف من الصلاة ، وابن خزيمة (١٦٠٢) و (١٧١٥) و (١٧١٦) ، من طريق المختار بن فلفل عن أنس.
وأخرجه البخاري (١٣ / ٣٧٢) ، كتاب الأيمان والنذور : باب كيف كانت يمين النبي صلىاللهعليهوسلم (٦٦٤٤) ، ومسلم (١ / ٣١٩ ، ٣٢٠) ، كتاب الصلاة : باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها (١١٠ / ٤٢٥) ، من طريق قتادة عن أنس مختصرا.
(٢) قاله قتادة ، أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٨٣).
(٣) هكذا في أبالتاء ، ولعل المراد بالياء : يقلبك.