المؤمنين ؛ كأنه أمر رسوله أن يتواضع لهم ويرحم ، وقال في الوالدين : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) [الإسراء : ٢٤] ، وقال في المؤمنين : بعضهم لبعض فيما بينهم (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) ، (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) ، ذكر الذل فيما بينهم والرحمة ، ولم يذكر في رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذل ـ والله أعلم ـ لأن الذل كأنه يرجع إلى الخضوع واستخدام بعضهم بعضا ، وذلك في رسول الله بعيد لا يحتمل أن يأمره بالخدمة لهم.
وجائز أن يمتحن بعضهم بخدمة بعض ، والله أعلم.
وقوله : (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) قالوا : إنه راجع إلى قوله : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) وموصول به ؛ كأنه قال : وأنذر عشيرتك الأقربين فإن عصوك فقل (إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ).
قد كان رسول الله بريئا مما كان يعمل أولئك الكفرة ، لكنه يحتمل أن يكون أولئك لما أنذرهم رسول الله ، طلبوا منه أن يطيعهم في بعض أمورهم ويشاركهم في بعض أعمالهم ؛ حتى يطيعوا أولئك له في بعض ما يأمرهم ويدعوهم إليه ، ويشاركونه في بعض أعماله ، فقال عند ذلك : إنه بريء مما يدعونه إليه ، وطلبوا منه مساعدته إياهم والإغماض عما يعملون فقال : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) ؛ كأنه أمنه عن شرهم وكيدهم فقال : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) ، ولا تخف مخالفتهم إياك فيما تدعوهم إليه.
أو أمره أن يكل نفسه إليه ، ويفوض جميع أموره في كل وقت فقال : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) ، العزيز : المنتقم لأوليائه أو الشديد بأعدائه ، الرحيم بأوليائه.
أو ذكر العزيز ؛ لأنه به يعز من يعز وهو يرحم من يرحم ، من لم يعزه هو لا يكون عزيزا ومن لم يرحمه هو لا ينفعه ترحم غيره ، والعزيز هو الذي لا يعجزه شيء.
وقوله : (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ) : في ظلمة الليل وحدك قائما وجالسا وعلى حالاتك ، ويراك في تقلبك ـ أيضا ـ في الساجدين في الصلاة مع الناس في الجماعة.
وبعضهم يقول في (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) : في المصلين ؛ يقول : كان يرى من خلفه من الصفوف كما يرى من أمامه.
لكن هذا ليس تأويل الآية ، بل كلام قاله من ذات نفسه ، ولو كان ما ذكر لكان يقول : يريك ، برفع الياء لا بالنصب (١).
وروي [في] بعض الأخبار : «أنا إمامكم ؛ فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ؛ فإني أراكم خلفي كما أراكم أمامي ، والذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٥ / ٩٩).