أو أن يكون الاستثناء من قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فإنهم لا يهيمون في كل واد ، ويقولون ما يفعلون ، ولا يقولون ما لا يفعلون ، بل يذكرون الله كثيرا وينتصرون لرسوله ؛ ولأنفسهم من بعد ما ظلموا ؛ فيكون الاستثناء في أحد التأويلين من الاتباع [و] في الآخر من الأئمة والقادة ؛ فكان منهم قول سبق في ذلك ، حتى قال : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ...) إلى آخر ما ذكر ؛ إذ لا يحتمل على الابتداء دون قول كان منهم على ما ذكرنا في قوله : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ ...) ، وقوله : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ ...) الآية ، قد كان من أولئك الكفرة قول وطعن بأن الشياطين هم الذين يتنزلون به عليه ، حتى خرج جوابا لهم : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ. وَما يَنْبَغِي لَهُمْ) ، وإن لم يذكر ذلك ، يظهر ذلك في الجواب أن كان منهم قول وطعن ، وإن لم يذكر ، ثم أوعدهم وقال : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) يحتمل في الآخرة في منقلب الظلمة وهي النار ، أي : يعلمون علم عيان يومئذ ، وإن لم يعلموا ذلك في الدنيا علم استدلال لما تركوا النظر فيه.
أو يعلمون ذلك علم عيان في الآخرة ، وإن علموا في الدنيا علم استدلال ، لكنهم تعاندوا وكابروا فلم يؤمنوا ، والله أعلم وصلى الله على رسولنا محمد وآله أجمعين.
* * *