وأبصارهم وجلودهم بعد شهادة من يشهد عليهم من الملائكة والنبيين وسائر شهداء المؤمنين وقد يجوز في تأويل تفسير هذه للشهادة معنيان أحدهما أنه يبنى الأبعاض التي تشهد على الإنسان بنية من يقدر أن يفعل ويعلم أفعاله ويريدها فتشهد تلك الشهادة على سبيل إلجاء الله عزوجل لعباده في الآخرة إلى الأفعال فإذا كان على هذا كانت هذه الجوارح شاهدة على الإنسان على الحقيقة وكانت شهادتها فعلها ثم ذكر الوجه الآخر بما معناه أن يكون الشهادة مجازا واختيار الوجه الأول أصح واعتمد عليه.
يقول علي بن موسى بن طاوس ما أدري ما الذي قصد الجبائي بقوله يوزعون إليها ويوزعون لعل معناه يخوفون ويؤخذون بالشدة كما قيل لا بد للسلطان من وزعة من أعوان يخاف منهم رعيته وما كان وما فهم معنى العربية من قول الله تعالى (يُوزَعُونَ) ويقال للجبائي عن وجهه الأول الذي تأوله واختاره ما الذي أحوجك أن تقول الله يبني أبعاض الإنسان بنية من يقدر ويفعل ويعلم أفعاله ويريدها وما الذي يمنع أن يكون الأعضاء على ما هي عليه من الصورة وتنطق بالشهادة على صاحبها بما فعلته من الذنوب أيام الحياة الدنيا فإن هذا لا ينكره ويحيله من القادر لذاته تعالى إلا جاهل به ويقال للجبائي كيف جمعت بين هذا القول وبين قول إن الله يلجئها إلى الشهادة ثم تكون الشهادة منها على الحقيقة وهل هذا إلا غفلة منه وهل تكون الإرادة التي ذكر أنهم يكونون عليها لمن يكون ملجأ مضطرا إنما تكون الإرادة لفاعل مختار ويقال للجبائي كيف وقعت فيما تعيبه على المجبرة وتوافق على أن الله تعالى إن ألجأها إلى الشهادة كانت شهادتها كذلك فعلها وهل يقبل عقل عاقل ومعرفة فاضل أن من ألجأها إلى الشهادة يكون ذلك فعل الجوارح وهل تصير الشهادة إلا من الله دونها لقد استطرفنا غفلة أوقعتك في تفسير القرآن ورحمها من هو عد كتابك من أهل الإسلام والألباب ويحسنون الظن في تقليدك.
أقول واعلم أن من وقف على تفسير الجبائي عرف أنه كان قائلا بقول