منه عجبا رأيته في سوق عكاظ على جمل ينادي الناس حتى إذا اجتمعوا قال أيها الناس استمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت ثم ينشد في آخر كلامه :
في السابقين الذاهبين |
|
من القرون لنا بصائر |
لما رأيت مواردا للموت |
|
ليس لها معاذر |
ورأيت قومي نحوها |
|
تمضي الأكابر والأصاغر |
لا يرجع الماضي إلى |
|
ولا من الباقين غابر |
أيقنت أني لا محالة |
|
حيث صار القوم صائر |
فجعل ترك رجعتهم منسوبا إلى أنفسهم ولم يقل يرجعون لأنه لم يكن يؤمن بالبعث الذي يكون به الرجع مغفولا لأن بعضهم يقول بل كل شيء هو فعل الله فجائز أن يقال رجع ويرجع وكل فعل يكتبه العبد فالوجه واحد يقال رجع ويرجع بفتح الياء وكسر الجيم.
يقول علي بن موسى بن طاوس وهذه الأبيات مشهورة من قس بن ساعدة ولكن النبي ما كان ينشد شعرا وإنما قال لبعض من كان يسمع شعر قس بن ساعدة هل تحفظ شعره فقال نعم فاستنشد ذلك وأما قول المصنف المروزي إن قس بن ساعدة ما كان يقر بالبعث فإنه إن كان قال هذا من طريق هذه الأبيات فمثل هذا المعنى كثير في كلام المقرين بالبعث وأشعارهم على اختلاف الأوقات وقوله إن جعل ترك رجعتهم منسوبا إلى أنفسهم فليس في هذه الأبيات ما تقتضي ما انتهى طعنه إليه ولعل قسا أنشد البيت بضم الياء من يرجع وفتح الجيم وقد استدركه استدراكا ضعيفا بقوله.
أقول والقرآن الشريف قد تضمن نحو هذا مثل قوله تعالى (كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) وما كان المراد أبدانهم راجعون من جهة أنفسهم وما أدري كيف التبس مثل هذا الأمر المكشوف على من يؤهل نفسه لتفسير القرآن العظيم ونحن نذكر من حديث قس بن ساعدة ما يقتضي أنه كان مقرا بالبعث والنشور وما يدل على معرفته بحكمة وفضل مشهور ذلك ما أخبرني به الشيخ