في الآية الأخرى ـ (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) فربما لا يكون هذه الآية محتاجة إلى تأويلها بالمجاز لأن الله تعالى وصف الذي يفك الرقبة ويطعم اليتيم والمسكين بأنهم بعد الإيمان المتقدم ـ (تَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) وهذه الوصايا منهم يمكن أن يقع بعد الإيمان السابق وبعد العتق والإطعام ولا يحتاج إلى تقديرها بالواو وأما قول قطرب عن الآية الثالثة ـ (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) فلا يحتاج أيضا إلى تقدير المجاز الذي ذكره لأن مفهوم الاستغفار السؤال لله تعالى في طلب المغفرة والتوبة مفهومها الندم على ما فات والعزم على ترك العود في عرف الشارع فأين هذا من ذلك بل يحتمل أن يراد منهم السؤال للمغفرة أولا ثم التوبة ثانيا ولا يحتاج إلى تأويله بالمجاز.
فصل فيما نذكره من كتاب تصنيف عبد الرشيد بن الحسين بن محمد الأسترآبادي في تأويل آيات تعلق بها أهل الضلال قد سقط أوله من الكراس السابع عشر من الوجهة الثانية من القائمة السابعة فيما نذكر معناه وبعض لفظه ومما تعلقوا به قوله تعالى ـ (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) فقالوا كيف يكون والفرقان هو القرآن ولم يؤت موسى القرآن وإنما اختص به محمد قال الأسترآبادي فيها وجوه منها أن يكون المراد بالفرقان الكتاب وإذا اختلف اللفظ جاز العطف كما يقال النأي والبعد وهما واحد ومنها أن يراد بالفرقان فرق البحر بينه وبين فرعون وكلما كان فرقانا ومنها أن يكون آتينا موسى الإيمان والتصديق بكتابه وهو التوراة وبفرقان محمد أن يكون آتينا موسى الكتاب ومحمدا الفرقان وأورد الأسترآبادي على كل وجه ما يقتضي جوازه.
يقول علي بن موسى بن طاوس إن قول الله تعالى في آية أخرى ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً) فإنه يقتضي أن يكون الفرقان حقيقة عن التوراة وعما آتاهما وعن كل ما يسمى فرقانا ولا يحتاج إلى تأويله بالمجاز وما كانت إشارة إلى القرآن