القسم الثاني : ما يكون المكلف به عند العرف هو السبب والمحصل دون الغرض والمسبب. بل هما مما يغفل عنه العامة ولا يلتفت إليه إلا الاوحدي من الناس ، كما في العبادات ، أو وان كان مما يلتفت إليه كما في الطهارة الحدثية على القول بأنها امر معنوى متحصل من الأفعال الخاصة ، ولكن المحصل لها بيانه وظيفة المولى ولا يفهمه العرف ، ففي مثل ذلك لا بد للمكلف من الإتيان بما امر به.
واما كون المأتي به وافيا بغرض المولى فهو من وظائف المولى.
وبعبارة أخرى : ان العقل يحكم بوجوب الإتيان بما بينه المولى. وعلى فرض عدم تمامية البيان من قبل المولى ، لا يكون تفويت الغرض مستندا إلى العبد ، فلا يكون مستحقا للعقاب ، فحينئذ بالمقدار الواصل من المحصل وهو الأقل حيث انه وصل ، وبتركه يفوت الغرض قطعا ليس للعبد تركه. واما المقدار الذي لم يصل وهو الأكثر ، فالعقل لا يلزم العبد بتحصيله ، ولا يحكم بحرمة تفويته إذ التفويت المستند إلى عدم بيان المولى يقبح العقل العقاب عليه.
وبعبارة أخرى : ان الغرض كالامر والتكليف ، فكما ان التكليف الذي قام عليه البيان لا بد من اطاعته ، وما لم يقم عليه بيان من المولى مورد لقاعدة قبح العقاب بلا بيان. وفي ما نحن فيه حيث ان التكليف بالقياس إلى الأقل واصل فلا بد للمكلف من اطاعته ويصح العقاب على مخالفته ، وبالنسبة إلى الأكثر لم يصل فيقبح العقاب عليه. كذلك بالقياس إلى الغرض ، فإنه على تقدير ترتبه على الأقل كان الحجة عليه تامة وبتركه يفوت الغرض قطعا فيصح العقاب عليه.