وليس يخرج عن هذا السّياق تلك العظة البليغة الّتي وجهها النّبي صلىاللهعليهوسلم ذات يوم إلى متخاصمين قبل أن يفصل بينهما. قال صلوات الله عليه فيما روي عن أمّ سلمة : «إنّما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إليّ ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي نحو ما أسمع ، فمن قضيت له بحقّ أخيه شيئا فلا يأخذه ، فإنّما أقطع له قطعة من النّار» (١).
__________________
ـ رجلا من الأنصار يقال له : طعمة بن أبيرق ، أحد بني ظفر بن الحارث سرق درعا من جار له يقال له : قتادة بن النّعمان ، وكانت الدّرع في جراب فيه دقيق ، فجعل الدّقيق ينتثر من خرق في الجراب ، حتّى انته إلى الدّار ، وفيها أثر الدّقيق ، ثمّ خبأها عند رجل من اليهود يقال له : زيد بن السّمين ، فالتمست الدّرع عند طعمة فلم توجد عنده ، وحلف لهم : والله ما أخذها وما له به من علم ، فقال أصحاب الدّرع : بلى والله قد أولج علينا فأخذها ، وطلبنا أثره حتّى دخل داره ، فرأينا أثر الدّقيق ، فلما أن حلف تركوه ، واتبعوا أثر الدّقيق حتّى انتهوا إلى منزل اليهودي فأخذوه ، فقال : دفعها إليّ طعمة بن أبيرق ، وشهد له أناس من اليهود على ذلك. فقالت بنو ظفر ، وهم قوم طعمة : انطلقوا بنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فكلموه في ذلك ، فسألوه أن يجادل عن صاحبهم ، وقالوا : إن لم تفعل هلك صاحبنا وأفتضح ، وبرىء اليهودي ، فهم رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يفعل ، وكان هواه معهم ، وأن يعاقب اليهودي ، حتّى أنزل الله تعالى الآيات. انته «المعرب».
لا نوافق المؤلف قدسسره ، والمعرب في هذا التّفسير ، أو التّأويل ، بل خلاصة أقوال علماء الإمامية : لا تخاصم اليهود لأجل المنافقين ، وإنّه صلىاللهعليهوآله كأن لم يفعل ذلك ، وإلّا لم يرد النّهي عنه ـ طعمة بن أبيرق بن عمرو بن حارثة بن ظفر الأنصاري ـ بل ثبت في الرّواية أنّ قوم طعمة لما التمسوا من الرّسول صلىاللهعليهوآله أن يذب عن طعمه ، وأن يلحق السّرقة باليهودي توقف صلىاللهعليهوآله وانتظر الوحي فنزلت الآية ، والأستغفار هنا يراد به لأولئك الذين يذبون عن طعمه ، ويريدون أن يظهروا براءته عن السّرقة ، لكن تبين بعد ذلك عكس ما يتصورون ، وكذلك المراد بالذين يختانون أنفسهم طعمة ، ومن عاونه من قومه ممن علم كونه سارقا. انظر ، بحار الأنوار : ١٧ / ٣٩ و : ٢٢ / ٧٤.
(١) انظر ، صحيح البخاري : ٣ / ٢٣٥ ، سنن الدّارقطني : ٤ / ٢٣٩ ح ١٢٦ و ١٢٧ ، مسند أحمد : ٦ / ٣٠٧ ، ـ