إلى الّتماس القيم الرّوحية ، وكيفية توجيهه بصفة عامة. فضلا عن عدد هذه الأوامر. قال تعالى : (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) (١). وقال : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) (٢). وقال : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (٣).
وإنّه ليشهدنا كذلك على المبدأ الأساسي الّذي صدرت عنه الشّريعة الإلهية كلها ، حين صاغه فقال : (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) (٤). وقال : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (٥).
وهكذا ، فإنّ ما كنّا نعتقد أنّه الحلقة الأخيرة في سلسلة المراجع ، لم يثبت أنّه الأخير. فالعقل الإلهي ، في هذا المجال ، أكثر تشددا من العقل الإنساني. فهو لا يريد أن يتمسك بشكل حكمه ، ويجعل منه المبدأ الأوّل للإلزام الأخلاقي ، وإنّما هو يلجأ بدروه إلى معيار آخر فيحيلنا إلى جوهر الواجب ذاته ، إلى كيفية العمل ، وإلى قيمته الذاتية.
فالأمر الإلهي يسوغ في نظرنا بتطابقه مع تلك الحقيقة الموضوعية ، وهو بهذا التّطابق يستحوذ على قبولنا ؛ كما أنّه يقيم على هذا القبول سلطانه الأخلاقي.
بيد أنّ هذا الطّابع العميق الّذي يؤلف جوهر العدل ، والخير في ذاته لا يتسنى
__________________
(١) المائدة : ١٠٠.
(٢) الأعراف : ٢٦.
(٣) البقرة : ٢٦٩.
(٤) الأعراف : ٢٨.
(٥) النّحل : ٩٠.