وحيد ، وقصرنا جميع الأوامر إلى أمر واحد ، ظاهر أو باطن ، هو أمر الله.
على أنّ القرآن لا يقدم لنا هذا الأمر الإلهي على أنّه سلطة مطلقة ، مكتفية بنفسها لكي تكون في أعيننا أساسا لسلطان الواجب ، بل إنّ مما يثير العبرة في هذا المقام أن نلحظ ـ على العكس ـ العناية الفائقة الّتي التّزمها هذا الكتاب في غالب الأحيان ، حين قرن كلّ حكم في الشّريعة بما يسوغه ، وحين ربط كلّ تعليم من تعاليمه بالقيمة الأخلاقية الّتي تعد أساسه. ومن ذلك أنّه عند ما يدعونا أن نتقبل من أهلينا كلّ تسوية للصلح ، حتّى لو كانت في غير صالحنا يؤيد دعوته بتلك الحكمة : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) (١). وعند ما يأمرنا أن نوفي الكيل ، ونزن بالقسطاس المستقيم يعقب على هذا الأمر بقوله : (ذلِكَ خَيْرٌ) (٢).
ولكي يسوغ قاعدة الحياء ، الّتي تطلب من الرّجال أن يغضوا أبصارهم ، ويحفظوا فروجهم ـ نجده يسوق هذا التّفسير : (ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ) (٣) ، وبعد أن يأمرنا بتبيّن السّبب قبل أن نصدر حكما يقول : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) (٤).
وكذلك نجد الأمر الّذي يقتضينا أن نكتب ديوننا ، وآجال أدائها ـ مفسّرا بقوله تعالى : (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) (٥).
وإنّه ليكفينا عن تعداد أمثلة الأوامر الخاصة ، أن نرى الطّريقة الّتي يدفعنا بها
__________________
(١) النّساء : ١٢٨.
(٢) الإسراء : ٣٥.
(٣) النّور : ٣٠.
(٤) الحجرات : ٦.
(٥) البقرة : ٢٨٢.