حقيقة معينة تظل ثابتة لا تقبل جدلا ، هي أنّ الغاية النّهائية وراء كلّ جهود الفقهاء ليست إلا التّوصل إلى ذلكم المنبع الوحيد الّذي يجب أن يستقي منه النّاس جميعا ، من قريب ، أو من بعيد : حكم الله ، وهو الحكم الّذي يسجله القرآن في المقام الأوّل مباشرة ، ثم يأتي الحديث ليبينه ، ويحدده.
وإذا لم يرد الحكم في نصّ الكتاب ، أو السّنة فإنّ القياس يحاول أن يكشف عنه في روحهما ، وفي مفهومهما العميق. ويأتي أخيرا دور الإجماع ، محاولا إدراك هذا الحكم في فحوى مجموعهما.
فالله سبحانه وحده هو إذن المشرع ، وليس الآخرون سوى مقررين لأمره ، بطريقة مباشرة ، أو غير مباشرة.
بيد أننا لم نمس بعد أعمق الجذور في الإلزام الأخلاقي في القرآن ، فنحن لم نفعل حتّى الآن سوى أن نرد الشّرع الأخلاقي الفطري إلى نوع من الشّرع الإلهي المتضمن في كيان العقل الإنساني ذاته. ولقد سبق أن أشرنا إلى قصور هذا النّور الجزئي (أي نور العقل) عن أن يقدم شرعا تتوفر فيه ـ في وقت واحد ـ صفات : الحسية ، والكمال ، والشّمول. كما أشرنا إلى ضرورة اللّجوء إلى سلطة أخرى من أجل الحصول على هذه الصّفات الثّلاثة ، وهي سلطة تستطيع أن تنير للناس طريقهم على خير وجه ، بوساطة تعليم إيجابي محدد ، وإن كانت ذات طبيعة علوية.
هذه السّلطة الّتي يجب أن تكون ذات علم مطلق ، ونور أبدي ـ لا يمكن أن تكون شيئا آخر سوى الوجود الكامل [L\'etre parfait].
ولقد انتهينا أخيرا إلى أن رددنا جميع مصادر هذا الشّرع الإيجابي إلى مصدر