على أننا مهما تعمقنا في مختلف تيارات الفكر التّشريعي في الإسلام فإنّ
__________________
ـ في أنّ الشّرع الإسلامي يقدم دائما إنقاذ الجماعة ، ومصلحتها المشتركة ، والدّائمة ، على حياة الأفراد ومصالحهم العاجلة. ويختم حديثه بقوله : إننا مع احتياطنا للحفاظ على رجالنا ـ لا ينبغي أن نوقف الحرب ، بل يجب أن نواصلها ولو أصيبوا من جرائها.
وإليك مثالا آخر ذا طابع فقهي : هل للقاضي الحقّ في أن يأمر بحبس متهم في سرقة ، دون أن يجد ضده دليلا ماديا ، أو شهادة ، أو إعترافا ، على حين قد يكون في هذه الظّروف غير مذنب؟ .. إنّ نصّ الشّرع ـ كما نعلم ـ يمنع من الإضرار بالناس في أشخاصهم ، أو أموالهم ، أو أعراضهم ، ما داموا لم يستحلوا حراما. ففي صحيح مسلم : ٤ / ١٩٨٦ ح ٢٥٦٤ ، سنن التّرمذي : ٤ / ٣٢٥ ح ١٩٢٧ ، سنن البيهقي الكبرى : ٦ / ٩٢ ح ١١٢٧٦ و : ٨ / ٢٤٩ ، تفسير القرطبي : ١٠ / ١٨٧ و : ١٦ / ٣٢٣ ، كشف الخفاء : ٢ / ١٦٥ ح ١٩٩٣ ، مسند الشهاب : ١ / ١٣٦ ح ١٧٥ ، حاشية ابن القيم : ٧ / ٢٠٠ ، مسند أحمد : ٢ / ٢٧٧ ح ٧٧١٣ ، جامع العلوم والحكم : ١ / ٣٢ و ٣٢٦ ، شعب الإيمان : ٥ / ٢٨١ ح ٦٦٦٠ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٣ / ٢٦٦ ح ٤٧٩٢ ، فتح الباري : ١٠ / ٤٨٣ ، شرح سنن ابن ماجه : ١ / ١٠٥ ح ١٤١٦ ، فيض القدير : ٤ / ٨٤ و : ٥ / ١١ ، سبل السّلام : ٤ / ١٩٤ «كلّ المسلم على المسلم حرام : دمه ، وماله ، وعرضه». وفي البخاري : ١ / ٣٧ ح ٦٧ وص : ٥٢ ح ١٠٥ ، تفسير القرطبي : ٢ / ٣٤١ و : ٤ / ١٨١ و : ١٠ / ١٨٧ ، صحيح مسلم : ٢ / ٨٨٩ و : ٣ / ١٣٠٥ ، صحيح ابن حبّان : ٩ / ٢٥٦ ، المستدرك على الصّحيحين : ١ / ٦٤٧ ، سنن التّرمذي : ٤ / ٤٦١ ح ٢١٥٩ وص : ٩٣ ح ١٩١٦ ، مجمع الزّوائد : ١ / ١٣٩ و : ٣ / ٢٥٤ «فإنّ دماءكم ، وأموالكم ، وأعراضكم عليكم حرام».
بيد أنّ الإمام مالكا يعلل ذلك على الوجه التّالي : بما أنّ من النّادر أن يقر مجرم بجرمه ، أو أن يرتكبه أمام شهود ، أو أن يؤخذ في حال اقترافه للجريمة ، فإنّ أكثر الجرائم سوف تمضي دون عقاب ، إذا ما تمسكنا بهذه الأدلة الكاملة. وعليه ، فمن المعلوم لنا أنّ الشّرع قد عنى عناية كبيرة بإقرار النّظام الإجتماعي والحفاظ عليه ، وأن يعمل بكلّ وسيلة على أن يؤمّن لكلّ فرد مقدرته على أن يمارس حقوقه على ملكيته. فلا بد لنا إذن من أن نلجأ إلى إجراءات أقل تشددا ، يخضع لها المتهم ، لا لكي نغتصب منه مطلقا اعترافا بما لم يفعل ، مجردا من أية صحة ، من حيث كان صادرا عن إكراه ، بل بأمل أن نحمل هذا المتهم على أن يرشدنا إلى دليل واضح .. وجدير بالذكر في هذا المقام أنّ هذه المدرسة ، ترى أيضا أنّ مثل هذه الإجراءات لا تكون شرعية إلا بشرط أن تكون بداية هذا الدّليل قد كشفت من قبل ضد المتهم.