تستطيع تماما ـ كما يفعل المولع بالمخاطرة ـ أن تقر نظاما عاما ، يكون أمتداده قابلا ليؤثر فيما نطلق عليه إصطلاحا كلمة (إرادة) ، وهي ليست سوى حساسيتنا ، أو قدرتنا على الرّغبة. وعلى هذا النّحو فإنّ القاضي (يريد) ، ويرى عقوبة المذنب عدلا ، بصفة شاملة ، وإن كان (لا يحب) أن يكون هو نفسه معاقبا عند الأقتضاء.
وعود إلى مثال الوعد الكاذب لنتساءل : ألّا يتضمن السّماح للآخرين بأن يخدعو النّاس ـ أن يدّعي الكذاب الدّاهية أنّ بوسعه أن يفسد أحابيلهم ، ويفلت من شراكهم ، دون أن يحتاج إلى الخروج على مبدئه؟
ولكن سوف يقال لنا : ألسنا حين ألغينا الثّقة في الكلمة المعطاة قد أتحنا لمبدأ الوعد الكاذب أن يدمر فكرة الوعد ذاتها ، وهي الّتي تفترض إمكان الوثوق بالغير؟ .. إنّ من السّهل أن نكشف عن الحيلة الّتي تسلك بها في الخفاء أفكار كثيرة في فكرة واحدة. وبرغم كلّ ذلك فإنّ فكرة الوعد ليست لأجل هذا متناقضة ، لا في جوهرها ، ولا في وجودها ، ولا في إمكان أن تؤثر على بعض العقول ، ما دام في النّاس مخدوعون. وإنّما يطرأ التّناقض في اليقين بنهايتها ، فنحن على ذلك بعيدون جدا عن أية ضرورة منطقية.
إنّ ما هو ضروري منطقيا يتمثل لنا حقيقة تحليلية ساكنة [Statique] ، وذلك هو أتفاق الفكرة مع ذاتها ، على حين أنّ الضّرورة الأخلاقية هي بالأخرى ذات طابع تركبيي متحرك [Dynamique] ، فهي تصف علاقة بين مجالين مختلفين ، وذلك هو سعي الفكرة نحو كينونتها كما هي الحال. وليس معنى ذلك مطلقا أنّ جوهرها