ويجب أن نشير إلى أنّ هذه السّمة المميزة للإلزام الأخلاقي. من ناحية التّشريع ، تصاحبها ، جنبا إلى جنب ، سمه أخرى تتصل بناحية التّطبيق. ذلك أنّ العمل الأخلاقي لا يتمثل أبدا في واقع مادي : لا شعوري ، أو لا إرادي ، أو غير مقصود ، فعلى حين تقنع الشّرعية «بمادة» العمل وحرفيته الجافة ، تتطلب الأخلاقية منه «روحه». بل إننا ـ دون أن نتخذ موقفا في الجدل المشهور الّذي ثار بين فقهاء المسلمين حول الضّرورة المطلقة في أن يؤدي المرء واجبه لمجرد كونه واجبا ـ نجد أنّ هنالك واقعا في الإسلام لا يقبل الشّك ، هو أنّ قداسة الواجب تقتضي أن نتأملها ـ على الأقل ـ في لحظة العمل ، ولا بد أن يتخذ الذهن في تلك اللحظة وضعا ، لا يكون تصوره للعمل خلاله من جانبه المادي وحده ، بل تكون له النّفاقة إلى طابعه الإلزامي بهذا المعنى دون غيره.
وبدون هذا يصبح أكثر الأعمال مطابقة لنصّ القانون جسدا ميتا ، وأمرا دنيويا ليست له قيمة أخلاقية (١).
وهكذا نجد أنّ ما يتميز به قانون الواجب كونه قانون حرية ، وعقل ، وقيمته ذاتية ، ونشاطه ذو طابع روحي في جوهره.
بيد أننا ينبغي أن نعود إلى خصائص القانون الأخلاقي العامة الّتي يشترك فيها مع سائر القوانين والشّرايع ، كيما نقدمه في شكله القرآني الخاص. ولقد رأينا كيف ينظر القرآن إلى هذا القانون على أنّه ضروري وشامل ، ويجب أن نضيف أنّه لا يترتب على هذا كونه غير مشروط إطلاقا ، فما ذا تكون هذه الشّروط؟
__________________
(١) انظر ، فيما بعد الفصل الرّابع ، للفقرة : ١ ـ ١.