تصور واجبه في تجرد كهذا.
لسنا نتكلم الآن من وجهة نظر الفاعل ، ولسوف نناقش فيما بعد (١) النّظرية الّتي تجعل من هذا الإخلاص المثالي في نيّة الإنسان ، واجبا صارما. لكنا نؤيد فقط «كانت» فيما ذهب إليه ، من أنّه لما كان كلّ إعتبار للنتيجة غريبا عن فكرة الواجب ، فإنّ القانون الأخلاقي من حيث هو لا حاجة به مطلقا لأية قيمة خارجة عنه ، يسوغ بها أمره. وإنّما ينبغي ، بل ويكفيه لكي يؤكد سلطته ، أن يقدم لنا العمل على أنّه إلزامي ، وحسن في ذاته ، بقطع النّظر عن أية نتيجة مستحسنه ، أو مستهجنة.
فإذا ما أحللنا أحد هذه الإعتبارات محل الآخر أنقلب نظام الأمور ، ولم يعد عملنا ذا صلة بعمل الأخلاقيين.
بيد أنّه إذا كان حقا أنّ أي نشاط يمكن أن يكون عادلا ، ونافعا ، ومستحسنا في آن ، فليس محظورا على المشرع أن يضاعف الأسباب المسوغة لنظامه ، ولكنه لن يكون حينئذ قد أقتصر على دور الأخلاقي ؛ وإنّما هو يضيف إلى هذا الدّور أشياء أخرى ليست مع ذلك متعارضة. وأي مرب حاذق يجب أن يلجأ إلى هذه الطّريقة ليضمن فاعلية تعليمه. ولسوف تزداد مبررات هذه الإضافة كلما أتصلت بتربية المبتدئين ، فأمّا إذا ما حققت الحاسة الخلقية بعض التّقدم فإنّها تصبح بالتدريج أكثر نقاء ، لتكتفي في النّهاية بذاتها ، وبهذا المنهج التّدريجي يبدو لنا أنّ القرآن قد سار في تعليمه الأخلاقي (٢).
__________________
(١) انظر ، فيما بعد الفصل الرّابع ـ الفقرة الثّانية ـ ب.
(٢) انظر ، فيما بعد : الفصل الثّالث ـ الخاتمة.