يريد ، دون أن يقصد إلى أية غاية. ومن عباراتهم في ذلك : «إنّ الله لا يفعل شيئا لأجل شيء ، ولا بشيء ، وإنّما أقترن هذا بهذا لإرادته لكليهما ، وهو يفعل أحدهما مع صاحبه ، لا به ، ولا لأجله ، لأنّه خالق كلّ شيء ومليكه» (١).
ونقول نحن : ليكن هذا ، ولكن أليس الأشاعرة مضطرين ـ على الرّغم من هذه الإرادية الّتي لا تتقيد بغاية ، وليس لها ما يقابلها أو يوازيها ـ إلى أن يعترفوا بأنّ مجال الإرادة والوجود أكثر تقييدا من مجال الإمكان ، والقدرة المطلقة؟. لا شيء حينئذ سوف يحول دون أن يتفق ما يبدعه الله ، أو ما يأمر به ، مع مقتضيات العدالة ، والخير ، ولو أنّه لن يكون محدودا بهما (٢).
أمّا فيما يتعلق بهذه الحالة الّتي تشغلنا فلسوف يرضينا لو استطاعوا أن يؤكدوا لنا أنّ الله سبحانه لا يكلف النّاس إلّا وسع قدراتهم ، وهو تكليف ، إن لم يكن بالشرع ، فليكن على الأقل بالواقع ، وتبعا لعرف دائم لا يقبل التّغير.
لقد فهم أكثر الأشاعرة تعقلا هذا المعنى (٣) ، ولكن الآخرين استهواهم المضي في المراء ، فجذبهم إلى بعيد. لقد أجهدوا أنفسهم ليجدوا وسيلة بارعة لإثبات فكرة التّكليف بالمحال في ذاته ، لا من حيث هو حقّ القدرة الإلهية فحسب ، ولكن بإعتباره واقعا قد حدث فعلا. ثمّ نجدهم يدعون في جرأة نموذجية أنّ لديهم على ذلك أمثلة مادية في القرآن نفسه ، وإليك لقطتهم الثّمينة.
__________________
(١) انظر ، منهاج السّنة النّبويّة : ١ / ١٢٧ ، سير أعلام النبلاء : ١٤ / ١٨٤.
(٢) انظر ، رسائل السّيّد المرتضى : ٢ / ٣٠٧ ، أوائل المقالات للشيخ المفيد : ٣٠٣ ، الإعتقادات للشيخ المفيد : ٢٩ ، الفصول المهمة في اصول الأئمة للحر العاملي : ١ / ١٩٥ و ٢٥٧ ، تفسير الميزان للسيد الطّباطبائي : ١٢ / ١٨٩.
(٣) المراجع السّابقة.