لقد ساقوا مثلا على ذلك حال بعض الكفار الذين أعلن القرآن أنّهم سيموتون في الكفر ، من مثل قوله تعالى : (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) (١) ، وقوله : (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) (٢). ولسوف يكون ذلك مهما بذل في سبيل هدايتهم من جهد : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) (٣).
فهؤلاء النّاس لم يكونوا أقل تكليفا بالإعتقاد في الحقائق المنزلة ، بما في ذلك كفرهم الدّائم ، وهم على ذلك يفعلون المستحيل :
أوّلا : لأنّ أمرا مما علم الله عدم وقوعه ، لا يمكن أن يوجد.
وثانيا : لأنّه ربما كان من المتناقض أن يؤمنوا بهذا الوحي الخاص ، الّذي يقرر أنّهم لن يؤمنوا أبدا ، وبذلك يكونون في حالتي إيمان ، وعدم إيمان.
ويقدم فخر الدّين الرّازي هذا الإستدلال المزدوج ، ويضاعف من حوله الأقوال ، كأنّما هو العقبة الكؤود الّتي لن يستطيع العقليون أن يفلتوا منها أبدا (٤).
بيد أنّه حتّى لو افترضنا أنّ المقدمات صادقة ، فلسنا نرى في هذا الإستدلال المزدوج سوى ضروب من القياس الكاذب.
وأوّل الإستدلالات ، وهو ما يستمدونه من علم الله السّابق ـ يقوم على نوع من الخلط بين «الممكن» و«الواقع» ، بين «الجوهر» و«الوجود» ، فليس معنى كون الشّيء لا يوجد ، أو لن يوجد أبدا ـ أن يكون مستحيلا في ذاته. فالعلم لا
__________________
(١) المسد : ٣.
(٢) المدثر : ٢٦.
(٣) البقرة : ٦.
(٤) التّفسير الكبير ، للفخر الرّازي : ١ / ١٨٥.