ومن هذه الوجهة نستطيع أن نقول : إنّ المرحلة المكّية كانت في مجموعها نوعا من الإعداد ، ولكن التّطبيقات المقدرة ، والمحددة لهذه المبادىء العامة قد توزعت بصورة متفاوتة على عشر سنوات. كذلك نستطيع القول بأنّ كلّ أمر جديد كان ينشىء في مجال التّكليف تقدما بالنسبة إلى الحالة السّابقة ، ونقطة إنطلاق بالنسبة إلى الحالة اللاحقة.
وإنّه ليكفي أن نلاحظ هذه المجموعة من الأوامر ، المنفصل بعضها عن بعض ، بمراحل تتفاوت طولا وقصرا ، لكي نتفق على أنّ فيها منهجا تربويا ، بلغ الذروة في قيمته ، وذلك بغض النّظر عن أسباب النّزول الّتي تفسر ، وتسوغ إقرار كلّ واجب جديد.
وحسبنا أن نتخيل ما كان يمكن أن يحدث لو أنّ هذه الكثرة من الواجبات المتصلة بجميع مجالات الحياة ـ قد فرضت مرة واحدة ، وبصورة شاملة!! أمّا وهي قد وزعت على هذا النّحو فإنّ النّفوس جميعا قد تقبلتها بإرتياح كامل ، حتّى كأنّها كانت تزداد قوة وإستعدادا كلما كانت تمارس واجبا منها.
لم يفهم الكفار على عهد النّبي هذه الحكمة التّشريعة السّامية ، ولذلك إعترضوا فقالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) (١) ، وترد الآية نفسها على إعتراضهم : (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) (٢) ، ثمّ نقرأ في آية أخرى تفسيرا ثانيا : (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) (٣).
__________________
(١) الفرقان : ٣٢.
(٢) الفرقان : ٣٢.
(٣) الإسراء : ١٠٦.