تُفْلِحُونَ) (١).
هذا المسلك اليسير المتدرج يدعونا إلى أن نتذكر الطّريقة الّتي يستخدمها الأطباء المهرة لعلاج مرض مزمن ، بل أن نتذكر ، بصفة عامة ، المنهج الّذي تلجأ إليه الأمهات لفطام أولادهن الرّضع ، ذلك أنّ هذه الوسائل الّتي خلت من العنف والمفاجأة تدعو الجهاز الهضمي إلى أن يغير نظامه شيئا فشيئا ، إبتداء من أخف الأطعمة ، حتّى أعسرها ، مارا بجميع الدّرجات الوسيطة. ألا ما أعظم رحمة الله الّتي ترفقت بالعباد ، على نحو لم يبلغه فن العلاج ، ولا حنان الأمّهات!!
هذا الجانب التّدريجي الّذي درسناه لا يقتصر وجوده على بضعة أمثلة فحسب ، بل هو ينطبق أيضا ، وبطريقة جد واضحة ، على الأخلاق القرآنية في مجموعها ، كما ينطبق على النّظام الإسلامي بعامة.
ومن المعلوم أنّ القرآن الّذي يقوم في هذا النّظام بالدور الرّئيسي ـ لم يجيء إلى النّاس كتابا ، جملة واحدة ، على نحو ما نراه اليوم ، فلقد ظهر بعكس ذلك ـ نجوما تتفاوت في كمها ، خلال نيف وعشرين عاما ، تنقسم إلى مرحلتين متساويتين تقريبا : المرحلة المكّية ، والمرحلة المدنية. ومن اليسير ملاحظة أنّ الآيات الّتي نزلت في المرحلة الأولى كان موضوعها الأساسي دعم الإيمان ، وتثبيت المبادىء ، والقواعد العامة للسلوك ، وأنّ ما سوى تعاليم الصّلاة والمعاش ، وهو تطبيق هذه القواعد العملية على حلول المشكلات الخاصة ، الأخلاقية ، والشّرعية ـ كان كلّه تقريبا مقصورا على المرحلة الثّانية.
__________________
(١) المائدة : ٩٠.