صراحة ، كيما تصل جميع العقول إلى الإقتناع الكامل ، ومع ذلك إنّ هذا كلّه لم يكن بلا تأثير على جانب اللاشعور في المجتمع ، حتّى إنّ بعض ذوي العقول الرّاجحة كانوا يتوقعون نزول حكم نهائي يؤيد وجهة نظرهم ، وقد حدث فعلا أن نزل حكم ، ولكنه لم يكن الحكم النّهائي ، وإنّما سوف نجده يمثل مرحلة وسيطة.
في هذه المرحلة الثّالثة لم يقل القرآن : «لا تشربوا» ، بل قال : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) (١). وهنا نلاحظ التّقدم الّذي حققته هذه الخطوة ، إذا ما ذكرنا أنّ الصّلاة تعتبر الفريضة الأولى في الإسلام ، لا لأنّها الفريضة الدّينية الأولى ، الّتي يجب أداؤها في أوقاتها ، ولكن لأنّها كذلك المناط الخارجي ، والعلامة المميزة للمؤمن ـ هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى ، يجب أن تقام خمس مرات في اليوم والليلة ، أربع منها ما بين الظّهر إلى الليل ، وينتج عن ذلك أنّ الّذي يشرب أثناء هذه الفترات يكاد يخلّ بالفريضة ، بل بأكثر الفرائض قداسة.
وهكذا كان هذا التّحريم الجزئي غير المباشر منهجا علميا لتوسيع فترات إنقطاع التّأثير الكحولي ، وفي نفس الوقت تقليل رواج الأشربة ، وتجريدها من سوقها بالتدريج ، دون إحداث أزمة إقتصادية بالتحريم الشّامل ، والمفاجىء.
وحين تم هذا ، وتخلصت التّجارة من تأثيرها لم تبق سوى خطوة واحدة ، وهي الخطوة الّتي أنجزتها الآية الرّابعة ، والأمر الأخير : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ
__________________
(١) المائدة : ٤٣.