بوساطة حدّ وسط يربطهما ، دون أن ينقطع إستمرارهما ؛ فبين «القيمة» ، و«نقيض القيمة» يقحم القرآن «اللاقيمة» ؛ إذ يوجد بين «المفروض» و«المحرّم» مكان ل «المباح».
ثم إنّه يميز في «المفروض» ـ أوّلا ـ الواجب الرّئيسي ، ثم يجيء دور التّكاليف الأخرى ، ثم أخيرا الأعمال الّتي يتصاعد ثوابها.
كما أنّه يرتب في «المحرّم» الكبائر ، ثم تأتي السّيئات الأخرى ، من الفواحش ، أو اللّمم.
وكذلك نراه يميز بين درجتين في الأعمال المباحة ، ونعني بهما : المسموح به ، والمتغاضي عنه.
فمن الحقّ إذن أن نتساءل عمّا إذا كان أدق العقول ، وأكثرها إدراكا للتنوع ـ يمكنه أن يجد أشياء أخرى يضيفها إلى هذا البناء المتدرج للقيم؟!
ولقد حاولنا عبثا أن نعثر على أية ثغرة تسوغ ما ذهب إليه «جوتييه» من إطلاق تعبير «العقل المولع بالفصل» ـ على العقل الإسلامي الّذي أقرّ هذا التّدرج ، وهو بحسب ما أعترف به هذا المفكر سمة إسلامية خالصة (١) ، إذ يقول : «إنّ وضع الشّيء بإزاء نقيضه هو الصّيغة الّتي تتلخص فيها جميع الأشياء في العالم العربي ، وبخاصة المسلم ، بما في ذلك الدّين ، والتّأريخ ... إلخ» (٢)
تلك على أية حال ملاحظة عابرة ؛ ولنعد إلى عرضنا ، إلى النّقطة الّتي تركنا
__________________
(١) ١ ـ Gauthier, Introd. a letude de la philos. Musulmanne, p. ٥٢١
(٢) ١ ـ Gauthier, Introd. Al\'etude de la philos. Musulmanne, p. ٧٣