يخدع خفية فلن يكون ذلك سببا في أن يسلك كلّ النّاس نفس السّلوك ، وإذا ما نظر أحدنا بلا مبالاة كاملة إلى بؤس الآخرين فلن يترتب على ذلك أن يقف النّاس جميعا نفس الموقف من بؤسه» (١).
ب ـ ولكن من أين يأتي هذا الطّلب الحثيث لعمل مثالي لا يوجد له نموذج في التّجارب؟ ويجيب مؤسس مذهب : الشّكلية العملية pratique [Formalisme] بقوله : «يأتي ذلك من أنّ «القانون الأخلاقي» ينقلنا بطريقة مثالية إلى مجال مختلف تماما عن مجال «القانون التّجربي» ، فهو يشركنا في عالم ذهني صرف ، حيث بتجلى إستقلال الإرادة ، لا في نوع من الإستقلال عن قانون الطّبيعة المحسوسة ، وحسب ، فذلك ليس سوى وجه سلبي للحرية ، ولكن كذلك في أنّ هذه الإرادة تضع لنفسها قانونها.
هذا القانون ينبغي أن يكون قانون عقل محض ، أي : بحيث لا يكون متحررا فقط من تأثير أي ظرف تجريبي ، أو حدس [intuition] ، أو أية مادة ، بل يكون أيضا قادرا على تحديد الإرادة بطريقة قبلية [Apriori] ، ذلك أنّ العقل المحض إنّما كان كذلك لأنّ شأنه في إستعماله العملي كشأنه في إستعماله النّظري : «هو عقل واحد ، يحكم طبقا لمبادىء قبلية» (٢).
ولما كنّا لا نجد غير الشّكل المحض لتشريع عام ، هو الّذي يستطيع أن يحدد الإرادة تحديدا قبليا ـ وجب لهذا أن يتكيف كلّ حكم مع هذا الشّكل ، وإلا أصبح
__________________
(١) انظر ، ١ ـ Kant : critique de la R.pratique ,p.١٧ ـ ٢.
(٢) انظر ، ١ ـ Kant : Crit de la R.prati.p.٠٣١.