الأعمال تهمة ، إن لم يكن بحكم الضّمير العادي ، فعلى الأقل في نظر الحكمة الكانتية ذاتها.
فلنختبر ، مثلا ، شعور أولئك الذين يرتكبون مخالفات تتفاوت في خطورتها ، ضد القانون الأخلاقي : «الطّبيب الّذي يخدع مريضه ليشفيه ، والمحسن الّذي يرتكب كذبة بريئة لينقذ حياة ، والإنسان المرهف الحس الّذي يؤثر أن ينتحر على أن لا يتحمل عارا ..) ـ ألّا يعطي هؤلاء لسلوكهم قيمة قانون عام ، يجب أن يطبق على جميع النّاس الذين يوجدون في نفس الظّروف الّتي وجدوا هم فيها؟
ثم ما ذا؟! هذا الإنسان الوقح الّذي يرتمي في أحضان الفسق الدّاعر ، هل يحس بأدنى عيب في أن يقتدي النّاس به؟ أو ليس هناك بعض النّاس يريدون أن يخلعوا صفة القانون العام على العري ، وجميع آثاره اللاأخلاقية؟!
بيد أنّ هناك ، على عكس ذلك ، قواعد للسلوك لا يمكن أن ترتفع إلى درجة العمومية ، دون أن تتعارض في ذاتها ، أو دون أن تعرّض الطّبيعة الإنسانية للخطر ، ومع ذلك لا نستطيع أن ننسبها إلى اللاأخلاقية.
ولنفترض أنّ إنسانا ما جعل موقفه في الحياة أن يبلغ درجة من الكمال لم يبلغها أحد دونه. فليس التّعميم وحده هو الّذي يهدم هذه الفكرة ، بل إنّ أقل قدر من التّوسع فيها يهدمها تماما ، إذ أنّ التّفوق لن يصبح تفوقا. فهل من العقل أنّ نصف هذه الغاية بأنّها شرّ من النّاحية الأخلاقية؟
وإليك مثلا آخر : التّبتل عن الزّواج .. ولنترك جيلا إنسانيا واحدا يفرض على نفسه إلزاما بهذا التّبتل .. إنّ آخر حيّ من هذا الجيل سوف يشهد حتما نهاية الإنسانية ، فهل يمكن أن نصف بالإجرام موقف هذا المتبتل ، وهو موقف مدحته