هذا الموقف المعارض لموقف القرآن ـ كما رأينا ـ محدد في فكر «كانت» ، بنفس القياس الكاذب [Parallogisme] ، الّذي فندناه ، والّذي قال فيه : «إذا كان مفهوم الخير لا يتفرع عن قانون سابق ، وإنّما يتخذ أساسا لهذا القانون ـ فلن يمكن حينئذ أن يكون سوى مجرد مفهوم لشيء مرغوب» (١).
ونحن نعتقد ، بعكس ذلك ، أنّ الحكم على قانون بأنّه أخلاقي ليس لكونه عاما ، ولكن تعميم القانون يصبح واجبا لأنّه وضع أوّلا على أساس أنّه حقّ ، إذ لما ذا ننشد سلاما عالميا إن لم يكن لاعتقادنا أنّه يمنحنا نموا عظيما لوجود الإنسانية ذاته؟
ولنفترض بعكس ذلك أنّه تقرر وجوب إختفاء الضّعفاء ليفسحوا المجال للأصلح من النّاس ، للحياة!!. إن حكمنا سوف يتغير في الحال ليصبح الصّراع الشّامل هو الرّأي الوحيد الّذي يعطيناه رجل الأخلاق.
إنّ العمومية لا تفعل أكثر من أن تترجم في عبارات شاملة ما تحصل أوّلا في شكل جوهر مفهوم ، والّذي يحدث هو : أنّ الضّرورة ، سواء في النّظام الأخلاقي ، أو في النّظام المنطقي ، هي السّبب في وجود العمومية ، ومن ثم ينبغي أن تسبق هذه الضّرورة العمومية في تفكير المشرع ، ومن الواضح أنّ الضّرورة الأخلاقية تنبع من قيمة داخلية ، لا من شكل خارجي.
هذا الفهم المعكوس لعلاقة الفضيلة بالقانون لا يؤدي إلا إلى تغيير وضع الإرادية الإلهية [Volontarisme theologique] ، بنقلها إلى مجال ميتافيزيقي ،
__________________
(١) انظر ، ١ ـ Kant.Crit.p.٠٦