بحيث يرى أصحاب هذا الإتجاه أنّ الله لا يأمر بشيء لأنّه حقّ في ذاته ، بل إنّ ما يأمر به الله هو حقّ ، لأنّه أمر به فحسب. فهناك فقط تغيير في المصطلحات ، فحيث يقول رجال اللاهوت : «هذا أمر علوي من الله». يقول كانت : «هذا أمر حتمي من العقل المحض»
والفرق بينهما ، مع ذلك ، هو أنّ رجال اللاهوت يجدون في الكمال الإلهي ضمانا واقعيا ضد الأوامر الظّالمة ، فأي ضمان نجده في هذا المفهوم التّجريدي للعقل المتسامي ، أللهمّ إلا إذا طابقنا بينه وبين العقل الإلهي؟
ولا يخطئنّ أحد في إدراك فكرتنا ، فنحن نميز في الشّكلية الكانتية جوانب كثيرة ، ما دامت تستخدم قانون العقل المحض في نواح متعددة ، فهذا القانون مبدأ موضوعي ، يحدد السّلوك وموضوعاته : (الخير ، والشّر) ، وهو في الوقت ذاته مبدأ شخصي (دافع) يوجه الإرادة نحو الطّاعة (١).
ونحن نميل بالنسبة إلى هذه النّقطة الأخيرة ألّا نثير أية صعوبة ، بل على العكس من ذلك ، نحن نعترف بأنّ الشّكل الصّرف للقانون قادر قدرة كاملة على أن يؤثر في الضّمير الأخلاقي. فأداء المرء للواجب ، لأنّه واجب ، دون أن يبالي بالخير الأخلاقي الّذي يستهدفه ـ هو تعريف للإرادة المخلصة بإطلاق.
ولسوف نبيّن (٢) أنّ ذلك هو المثل الأعلى للأخلاق القرآنية ؛ فالمرء لا يسأل طبيبه الّذي يثق به عن أوامره ، لأنّ المناقشة هنا هي الأرتياب ، فهل الأمر كذلك فيما يتصل ـ لا بالسلوك ـ بل بالحكم ، والتّقدير ، والأمر المفروض؟. وهل
__________________
(١) انظر ، ١ ـ Kant : Crit.p.٩٧
(٢) انظر فيما بعد ، الفصل الرّابع ، فقرة : ٢ ـ ١.