يوافقون عليه جزئيا (فيما يتعلق بالواجبات الأولية) ، فإنّ أكثر مدارس أهل السّنة ينكرونه مطلقا.
ويقولون : إننا لسنا مسئولين أمام الله ، حتّى عن واجباتنا الأساسية إلّا إذا أعلمنا بواجباتنا ، هو نفسه ، وبطريقة خاصة وإيجابية. وهؤلاء المفكرون يتمسكون بحرفية القرآن حيث يقول : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) (١) ، (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (٢) ، (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) (٣).
ومن المفيد جدا أن نبحث عن الأسباب في أنّ القرآن يضع هذه الشّروط المفيدة ، فلما ذا أوجب الله مطلقا على نفسه أن يعلم الشّعوب بواجباتها بوساطة الرّسل ، الوسطاء بينه وبينهم؟. ولما ذا لم يتركهم لنورهم الفطري وحده؟ .. والجواب كما يبينه القرآن : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (٤). والواقع أنّ أكثرية النّاس ينتمون إلى إحدى فئتين : فإمّا أنّهم رجال أعمال مشغولون بلقمة العيش ، أو يكونون فارغين عاكفين على ملذاتهم. وعليه ، أفلا يكون من النّادر إلى أقصى حدّ أن تسنح لحظات يخطر لهؤلاء وهؤلاء فيها أن يرفعوا أبصارهم نحو السّماء ، أو أن يحولوها نحو أنفسهم؟ .. كم رجلا منا يسائل نفسه عن خير الوسائل لتثقيف الرّوح ، وتغذية القلب ، بله أن يشرع لها؟؟ وهذه
__________________
(١) التّوبة : ١١٥.
(٢) الإسراء : ١٥.
(٣) القصص : ٥٩.
(٤) النّساء : ١٦٥.