بحيث أستقبله ، بل ينبغي أن نضيف ضرورة إبلاغه إلى علمي ، أنا نفسي ، سواء أكان ذلك بوساطة التّربية ، أو النّشر ، أو الصّدفة ، أم كان بطلبي إياه في سعيي ، وبحثي. وقد رأينا ـ في الواقع ـ كيف أنّ القرآن حرص على أن يثبت ، على سبيل الحقيقة التّأريخية ـ إن لم يكن على سبيل القانون الثّابت ـ أنّ التّعليم الإلهي الّذي خوطبت به الشّعوب القديمة كان يصل دائما إلى المعنيين به ، قبل أن يلزموا بمسئوليتهم. هذه الحقيقة نفسها يجب أن تنطبق على التّعليم القرآني ، وإنّها لكذلك ، فقد قرر القرآن : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (١).
وليس هذا هو كلّ شيء ، فلنفترض أنّ القاعدة قد تقررت بالنسبة إلى النّاس ، وأنّي تلقيتها ، ولكن ها أنا ذا ، لدى ممارستي للعمل ، يغيب عني هذا التّعليم ، يفلت مني كلّية ، لقد نسيته بكلّ بساطة. بل إنني قد أكون في حالة تسمح لي بتذكره ، عند ما أسأل عنه ، ولكني لا أتذكر ، في الحال ، بل أكاد لا أشعر بمجرّد وجوده ، وسواء كان هذا النّسيان مجرد ذهول سطحي وعارض ، أو نسيان عميق ودائم ، مرضي أو عادي ـ فإنّ موقفي هو الإستعداد دائما أن أكفّ عن عملي المخالف ، أو أوقف نشاطي الّذي بدأته ، بمجرد أن يذكرني أحد من النّاس بالقانون. فكيف أكون مسئولا عن عمل تمّ في مثل هذه الظّروف؟.
عند ما يكون النّسيان ظاهرة طبيعية ، لا تصدر عن إرادتي ، ولا ترجع إلى خطأ من ناحيتي ، فهل يكون من المقبول في منطق العدالة المطلقة ، القائمة على واقع الأشياء لا على التّخمينات ، أو إعتبارات المنفعة ـ أن أعد مسئولا عن عمل
__________________
(١) الأنعام : ١٩.