أرسطو (١).
فكيف أكون في هذه الظّروف مسئولا دون أن أدري ، وكيف تقع المسئولية إذا لم يكن مبعثها تنبيه ضميري؟.
الحقّ أنّ هذا المبدأ لا يعبر إلّا عن نوع من العدالة القانونية ، الّتي ترى النّاس من خارج ، وتحكم عليهم موضوعيا ، وإحصائيا ، تبعا لسلوك متوسطهم. ولا شك أنّ من المفيد واللازم لحفظ النّظام في المجتمع ـ أن ننظر إلى الأمور من هذه الزّاوية. وإلّا فإنّ الباب قد يتسع كثيرا ، بالنسبة إلى جميع مخالفات القانون ، بحجّة الجهل بالقانون.
أمّا فيما يتعلق بالمسئولية الأخلاقية ، والدّينية الّتي نعالجها الآن ، فلا ينبغي أن تقوم إلّا على الحالة الواقعية لضميرنا ، مع تحفظ واحد هو ألّا يزيغ هذا الضّمير مختارا عن الهدى الّذي يقدم إليه ، بل يحاول أن يبحث عنه عند الحاجة ، والله يقول : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (٢).
فليس يكفي إذن ، في نظرنا أن يحمل القانون إلى علم النّاس بعامة ، وأن أكون
__________________
(١) يبدو لنا أنّ بسكال [Pascal] ، في هجماته على اليسوعيين ، قد غلا في كلام أرسطو ، حين ذكر أنّه قال : إنّ جميع الأشرار يجهلون ما يجب أن يفعلوه ، وما يجب أن يهجروه وحسب ما يرى بسكال فإنّ أرسطو كان يفرق أساسا جهل الواقع (أي ظروف الحدث) ، عن جهل القانون (أي الخير والشّر في العمل) فالأوّل وحده يعذر فيه الفاعل. [Provinciales ٤ e lettre] ، على أنّ هذا التّخصيص لا يبدو لنا أرسطيا ، لأنّ أرسطو ـ نفسه ـ يجعل من بين الحالات الجديرة بالمغفرة والرّحمة ـ حالة أخيل ، [Eschyle] ، في إفشائه الأسرار ، دون أن يعرف أنّ ذلك محرم [Ethique ,debut du livre III] ، هذا إلى أننا إذا أخذنا برأي بسكال فقد تلتبس نظرية أرسطو بنظرية أفلاطون ، وسقراط ، الّتي ترى أنّ نتونى بين الفضيلة وعلم الخير والشّر.
(٢) الزّخرف : ٣٦.