وجد.
والحقّ أنّ مسألة الحتمية العلوية لا تطرح إلّا لأجل نوع من الفضول العقلي ، وبوساطته ، وما ينشأ عنه لا يهم الجانب الأخلاقي ، ولا الإيمان ، ولا التّقوى.
فأمّا فيما يتعلق بالجانب الأخلاقي بخاصة ـ وهو موضوع دراستنا ـ فإنّ ما تهم معرفته ليس هو ما يقع في الحقيقة ، من مؤثرات تؤدي إلى حدوث الفعل ، بل هو الطّريقة الّتي يتصور بها الإنسان عمله ، والعنوان الّذي يعمل تحته ، وفي كلمة واحدة : نيته ، وقصده. فلنفحص إذن ضميرنا في لحظة إتخاذ القرار ... ألدينا في هذه اللحظة بعض هم بمعرفة ما إذا كان شعورنا الّذي لا يتزعزع بحريتنا العلمية يطابق واقعا مطلقا ، أو لا يطابقه؟. إنّ الأهتمام الّذي نوجهه إلى موضوع عملنا لا يمتصنا إمتصاصا كاملا فحسب ، بحيث لا يدع مجالا لأي هم من هذا القبيل ، وكذلك ، المسألة المطروحة ، قد لا يقتصر أثرها فقط على أن تجعلنا غير مبالين ، وقد لا تغير شيئا من موقفنا ـ ليس هذا فحسب ، ولكن حتّى لو ثبت الطّابع الوهمي لإحساسنا ، فلا بد أن يكون لنا شأن في القضية المقررة ، فهل يكون القرار الّذي إتخذناه غريبا عنا في الواقع؟ .. وهل يكون هذا القرار موحى به ، أو مملى علينا ، أو مفروضا بوساطة قوة مختفية لا نستطيع تحديد كنهها؟ ... وهل الله هو محركها الأوّل؟ .. لا أهمية لكلّ هذه التّساؤلات إذ أننا بمجرد ما نلجأ ـ في لحظة ثانية ، وبنية ثانية ـ إلى تبني القرار ، وأعتماد تنفيذه ، فإننا نصبح بهذا متضامنين مع فاعله الحقيقي. فإذا لم نكن السّبب الأخلاقي للعمل في ذاته ، جوهرا ، وصفة ، فنحن هذا السّبب على الأقل من حيث تكييف هذه الصّفة ؛