مقدس».
واستقلال القاعدة الأخلاقية بالنسبة للفرد قد يجعل من الحياة الأخلاقية «خضوعا». غير أنّ الخضوع المطلق يعتبر نفيا «للحرية» ، وهو تبعا لذلك نفي للأخلاق ذاتها. هذه إحدى النّقاط الشّائكة الّتي تعرض لها المؤلف بالتحليل في فصله الأوّل عن «الإلزام الخلقي». وهو يؤكد أنّه لا عذر لنا في القول بأنّ ذلك الخضوع «شعوري» و«مقبول» منا بحرية تامة. إذ أننا لو سلمنا أنفسنا عن طواعية للرق ، فلا يمنع ذلك ، أو يقلل من كوننا عبيدا. وإذن فإنّ الأخلاق الحقيقية هي الّتي تضع الضّمير الإنساني في وضع متوسط بين «المثالي» و«الواقعي» ، وتجعله يدمج بينهما. وهذا الدّمج يؤدي إلى تغيير مزدوج في كليهما : ففي عالم الواقع يحدث جديد هو الإتجاه نحو الأفضل ، كما أنّ القاعدة المثالية هي الأخرى بإحتكاكها بالحقيقة الحسية تعدل نفسها لتلائم الواقع. فإذا احتدم النّزاع بين واجبين فقد يتعين أن يخلي أحدهما السّبيل أمام الآخر ؛ أو تحتم طبيعة العلاقات المركبة بين الأشياء إيجاد نوع من التّوفيق بينهما ؛ أو قد يسمح الجانب غير المحدد من القاعدة بإختيار حرّ يؤكد إنسانية الإنسان.
وهكذا نرى أنّ الإلزام الخلقي يستبعد «الخضوع المطلق» مثلما يستبعد «الحرية الفوضوية» ويضع الإنسان في موضعه الحقيقي بين «المادة» الصّرف و«الرّوح» الصّرف.
وتنبثق عن فكرة الإلزام فكرة «المسئولية» ، وهي موضوع الفصل الثّاني. وقد شرح المؤلف جوانبها الأخلاقية ، والدّينية والإجتماعية ، ثم أخذ يدرس بالتفصيل المظهر الأخلاقي لفكرة المسئولية. ونلاحظ منذ البداية أنّه عني بتأكيد فكرة رئيسية تعتبر محور البحث في هذا الموضوع ؛ وهي أنّ المسئولية ، كما أقرها القرآن الكريم تتعلق «بالشخصية الإنسانية» في معناها الكامل. فالمسئول ، حسب الشّريعة القرآنية ، «هو