الشّخص البالغ ، العاقل ، الّذي بلغته قواعد الدّين بشأن التّكاليف ، وكان واعيا لها أثناء سلوكه». وهو مسئول عن أفعاله الخاصة الشّعورية ، والإرادية ، والّتي عقد النّيّة على القيام بها. فليس هناك مجال إذن لتحويل فضل العمل ، أو جزائه من إنسان إلى آخر ؛ وليست هناك مسئولية وراثية ، أو جماعية بمعنى أنّ الجماعة لا يمكن أن تكون مسئولة عن أفعال اقترفها عضو من أعضائها دون أن تشارك في هذه الأفعال بطريقة ما.
ومع ذلك فكلّ مواطن يعيش في مجتمع معين يحمل جانبا من المسئولية في وجود بعض الشّرور الإجتماعية. ولا يقتصر ذلك على تدخله الإيجابي في إحداث هذه الشّرور ، أو على القدوة السّيئة ؛ بل إنّ مسئولية الفرد تمتد إلى الحالة الّتي يترك فيها الشّرور تنتشر دون أن يتدخل لمنعها ، أو على الأقل لفضحها وإعلان سخطه عليها. فاللامبالاة الإجتماعية تتساوى في التّجريم مع الفعل الإيجابي ؛ والإمتناع عن إعلان الرّأي بشأن المخالف للشرع يعتبر نوعا من الإشتراك في المخالفة.
غير أنّ المسئولية تفترض قدرة التّحكم في الفعل ، أو الإمتناع عن الفعل. وهنا يثور سؤال هام : هل الإرادة الإنسانية لها بحقّ حرية الإختيار؟ لسنا في حاجة للتعرض للجدل الّذي أثارته المدارس المختلفة حول هذا الموضوع ، ويكفي في هذا المجال أن نقرر حقيقة لا جدال فيها ، وهي أنّ كلّ إنسان عاقل يعتبر دائما مسئولا عن أفعاله الإرادية ، وأساس مسئوليته هو تأكيد «حريته». وقد عبّر الفيلسوف «كانت» أحسن تعبير عن هذه الفكرة حين قال في مؤلفه «أسس متيافيزيقا الأخلاق» : «يستحيل علينا أن نتصور عقلا ، في أكمل حالات شعوره ، يتلقى بشأن أحكامه توجيها من الخارج ... فإرادة الكائن العاقل لا تكون إرادته الّتي تخصه بالمعنى الحقيقي ، إلا تحت فكرة الحرية».
غير أننا نجد الفكرة أكثر وضوحا في القرآن الكريم : فليس هناك شيء في الطّبيعة