الدّاخلية ، أو الخارجية يستطيع أن يرغم الإرادة الإنسانية على إختيار مسار غير الّذي تختاره بنفسها. وقد يكون النّزوع ، أو الرّغبة ، أو المصلحة ، أو الإيحاء ، قد تكون هذه كلّها عوامل تحرك الإرادة وتدفعها ، ولكنها لا تنتج القرار ، لأنّها ليست سببه المباشر. فالقرار النّهائي ملك للإرادة ، وهي وحدها الّتي تملك حقّ إصداره بعد أن تكون قد استمعت إلى إغراء الحواس ، والبواعث الخارجية من ناحية ، وإلى نداء الضّمير من ناحية أخرى ، وبعد أن تكون قد وازنت بين إتجاهين ورجحت إحدى الكفتين.
لكن هذه الحرية الشّاملة ، وهذا الإستقلال الكامل الّذي تتمتع به الإرادة الإنسانية إزاء «الطّبيعة» ، هل تملك حقّ المطالبة به إزاء «الخالق»؟ أليس من الممكن في آخر لحظة من لحظات المداولة ، والأختيار أن يتدخل «لله» جلّ وعلا ليرجح كفة الميزان في الإتجاه الّذي يريد؟
في الحقيقة إن هذه المسألة عن «حتمية الإرادة العلوية» تستعصي على وسائلنا في الفهم ، والتّعليل ، وهي لا تثار إلا لإرضاء نزعة الجدل العقلي الّذي مهما كانت نتيجته ، لا يؤثر على الأخلاق ، ولا على العقيدة والإيمان. وبالنسبة للأخلاق ـ الّتي هي موضوع البحث ـ لا يهمنا حدوث الفعل بقدر ما تهمنا «الطّريقة» الّتي يتصور بها الإنسان سلوكه ، و«المبدأ» الّذي يتصرف بمقتضاه. وهذا كلّه يتلخص في كلمة واحدة هي «النّيّة».
وحينئذ فإنّ السّؤال الهام الّذي يجب أن يثار هو : ما هي نيّة الإنسان في الوقت الّذي يقرر فيه إختيار سلوك معين؟ وهل يشعر أدنى شعور بأنّه مدفوع لإتخاذ قراره «بأمر إلهي» لم يسعه إلا الخضوع إليه؟ وهل كانت نيته أنّه يجعل من نفسه ، وسيلة أو «أداة» لتنفيذ «الإرادة المقدسة»؟ كيف يمكن حدوث ذلك إذا كان الإنسان لا يعرف الإرادة الإلهية سلفا؟ إنّ الإنسان حين يعمل هذا ويترك ذاك يختار ما يراه الأنسب ، وتنعقد نيته