على تنفيذ القرار الّذي تصدره إرادته الذاتية. وحتّى لو كانت هناك قوة تتدخل في سلوكه ، فإنّ قبوله لها يعني موافقة الإرادة عليها. وهكذا يصبح الإنسان مسئولا بمجرد سلوكه ، وذلك مثلما يصبح دائنا بتوقيعه لصك الدّين.
ويترتب على الإلزام ، والمسئولية بالضرورة مبدأ «الجزاء» ، وهو موضوع الفصل الثّالث. فالقانون الأخلاقي الّذي يلزمنا ، ويضعنا أمام مسئوليتنا يجب أن ينطوي ، في الوقت نفسه ، على نظام لتقدير مواقفنا. وإذا كان بعض الحكماء قد أنكروا وجود «جزاء أخلاقي» بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة ، فإنّ وجود هذا الجزاء بالفعل يدحض هذا الرّأي. ويزودنا القرآن الكريم بنوعين من هذا الجزاء : فهناك أوّلا الجزاء ذو الطّابع «الإصلاحي» ، ومعناه أنّ الإنسان الّذي يسلك سلوكا سيئا يتحتم عليه إصلاح ما ترتب على هذا السّلوك من فساد ، أو إهدار لحقوق الآخرين. وإهمال الواجب يقابله القانون بفرض واجب آخر ، هو واجب «التّعويض». ثم كيف لا نثير الشّعور بتأنيب الضّمير ، وهو شعور داخلي يفتح أمامنا طريق الإصلاح ، وييسر لنا إصلاح أنفسنا ، وإصلاح أخطائنا؟ غير أنّ هذا الشّعور لا يكفي وحده لإعادة النّظام ، بل لا بد أن يدعمه موقف جديد من مواقف الإرادة ، موقف يفترض بذل الجهد. هذا الموقف هو بالتحديد موقف «التّوبة» ، وهو في طبيعته المركبة يشمل الماضي ، والحاضر ، والمستقبل : إذ تقتضي التّوبة إيقاف السّلوك السّيىء ، والعزم على عدم العودة إليه ، والإستمساك من جديد بالواجب المهمل ، وإصلاح الأخطاء المقترفة ، وإتخاذ طريق جديد للسلوك. هذا التّحول الأخلاقي في مجموعه تفرضه علينا الأخلاق كوسيلة إصلاحية.
وبالإضافة إلى ذلك ، نجد في القرآن نوعا آخر من الجزاء ذي الطّابع «الإستحقاقي». وهو رد فعل للقانون الأخلاقي يمارسه مباشرة ، وتلقائيا ، ولا يسع الإنسان إلا أنّ يتحمله رضي أم لم يرض. فبحسب موقفنا «الخاضع» أو «المتمرد» بالنسبة لما يمليه