علينا الواجب ، نجد أنّ ملكاتنا العليا تتأثر سموا ، أو إنحطاطا. ولا يعني ذلك فحسب أنّ ممارسة الخير تصفي القلب ، وتشحذ الإرادة وتقوي العزيمة ، بل إنّ صداها ينعكس أيضا على الملكة الذهنية نفسها. وعلى العكس من ذلك نجد أنّ فوضى الإنقياد للنزوات تعتم الضّمير ، وتحوّل العقل عن تصور الحقيقة. ومجمل القول ، إنّ الجزاء الأخلاقي الإستحقاقي ينتهي إلى نوع من «التّقدير للذات» ، ويؤدي إما إلى أرتفاع في القيمة الإنسانية ، وإما إلى هبوط بها.
وإذا كان الإنسان يتصرف بحرية فمعنى ذلك أنّ عمله إنبعاث لكيانه الكامل «جسما» و«روحا». ولا يخفي ما بين هذين العنصرين من صلة وثيقة ، وتفاعل متبادل ؛ ولذا كان من العدل أن يلقى الإنسان جزاءه ، أو عقابه في حسه ، وروحه. ونحن نرى أنّ قانون الطّبيعة نفسه يوزع الجزاء على الفضيلة ، أو الرّذيلة توزيعا مناسبا : فالكفاح جزاؤه النّصر ، والإعتدال جزاؤه الصّحة ، والإدمان ، والرّذيلة جزاؤهما النّتائج الضّارة للجسم ، والعقل. غير أنّ هذه الجزاءات الطّبيعية ، في الحياة الدّنيا ، ليست كاملة ، ولا شاملة. ولذا فإنّ العدالة الإلهية قد تكفلت بإكمال هذا النّقص عن طريق الحساب في الآخرة.
ولننظر الآن في موقف القرآن الكريم من عمل الإنسان ، ومقياس الحكم عليه. إنّ موقفه في هذا المجال واضح ، ومحدد كلّ التّحديد. فما يهتم به ليس هو التّنفيذ المادي للأمر ، وإنما «النّيّة» الكامنة وراء الفعل. ويعالج المؤلف موضوع «النّيّة والبواعث» في الفصل الرّابع. فإلى جانب إختيار الموضوع المباشر للعمل ، هناك إختيار الهدف البعيد. وفي حسن إختيار هذا الهدف تكون النّيّة الطّيبة بمعناها الأخلاقي الصّرف.
ما هو المبدأ الأسمى الّذي يضعه القرآن كشرط للحكم على قيمة أعمالنا؟ إنّه «التّنزه المطلق» بحيث يكون الهدف الوحيد للعمل هو إبتغاء وجه الله. إننا لا نجد فيه