بالموضوع في صورة علاقة طبيعية ، وأوشك أن أقول : تحليلية ، لا أن تكون علاقة إصطلاحية ، يقدمها التّشريع.
والنّصوص الّتي سوف نرجع إليها الآن مختارة بطريقة تجيب عن هذا الشّرط المزدوج ، فهي تكون القسط الأوفى ، والأكثر تجردا ، وتنزها عن الغرض ، في المنهج التّبليغي للقرآن ، ففيها إلحاح على النّزعة الأخلاقية ، بوسائل أخلاقية ، ومن أجل غايات أخلاقية ، بل إنّ هذه النّصوص لا تشير إلى ما نجده في مواضع أخرى من أنّ الباطل ، والشّر يمران ، وينتهيان إلى عدم ، وأنّ الحقّ ، والخير يبقيان ، ويحملان ثمرات خالدة ، لا تفنى ، وذلك كما ورد في قوله تعالى على سبيل الرّمز : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) (١) ، وقوله : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ* تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ* وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ) (٢).
فقد جذب الإنتباه هنا أساسا ، إلى الصّفات الذاتية بخاصة ، من حيث هي. ولو لا أننا قد أجرينا إختيارا دقيقا ، لكان في وسعنا تطويل قائمة أسانيدنا ، ولذلك ألزمنا أنفسنا ـ أوّلا ـ ألا نختار من القرآن سوى ما يتصل بالتعليم القرآني ، بالمعنى الدّقيق للكلمة ، أعني : مستقلا عن التّعاليم السّابقة عليه ، والمذكورة
__________________
(١) الرّعد : ١٧.
(٢) إبراهيم : ٢٤ ـ ٢٦.