فيه (١) ، ثمّ إننا لم نقف إلّا عند النّصوص الّتي لا تحمل في نظرنا أدنى نبس ، أو غموض (٢).
وأخيرا ، عند ما يكون المسوغ الباطن غير مانع للإعتبارات الأخرى ، فإننا لم نقبل سوى النّصوص الّتي يحتل فيها العنصر الباطن المكان الأوّل.
وغالبا ما نجد أنّ المبادىء المسوغة الّتي ذكر القرآن أنّه يعتمد عليها مستعملة في صورة تفسير ، وأحيانا تكون هي موضوع الأمر ، حتّى إننا لو دعونا الأشياء بأسمائها لقلنا إنّها تستعمل كعلة ، وكأمر معلول.
والآن بعد هذا التّوضيح لننظر أوّلا كيف أنّ القرآن ، وهو يوجه نظريته العامة ، يحرص هنا على أن يرينا ما تكون هذه النّظرية ، وما لا تكون في ذاتها ، وأن ينفي عنها النّقائص الّتي تعيب كلّ نظرية باطلة ، أو ذات غرض ، وأن يثبت لها الصّفات الخاصة القادرة على إقناع العقول المغرمة بالحقيقة.
إنّه يعلن أنّه ليس بقضية تكسب ، ولا هو بنظام يبتغي مؤسسه أن ينال عليه أجرا ، ففي قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ) (٣).
__________________
(١) لنذكر على هامش الحديث أنّ القرآن لم يقصر عن تقديم ما سبقه من الوحي ، بنفس النّغمة النّزيهة ، وهو وحي لا يدعي القرآن إلّا أنّه جاء مصدقا له ، ومكملا.
(٢) ولكي نتجنب شكا كهذا إستبعدنا من هذه الطّائفة جميع الأحكام الّتي تشتمل على القول : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) البقرة : ٥٤ ، وهو تعبير يقبل تفسيرين مختلفين ، فإمّا أن يكون : ذلك أكثر نفعا لكم ، بما في ذلك المكافأة ، وإمّا أنّ في ذلك خيرا كبيرا لأنفسكم ، من أجل إكتمال وجودكم الخاص ، ولهذا السّبب أغفلنا من بين الأحكام الّتي تدين ظلم الإنسان لنفسه الأحكام الّتي لا يتجه سياقها إلى تفسير تدنيسه لها ، وإفسادها أخلاقيا ، فحسب ، ولكن كذلك الأحكام الّتي يفسر سياقها تعويض المرء نفسه للعقاب.
(٣) الأنعام : ٩٠. ـ