يخضع لحكم العقل ، ويتسم بالنبل ، والإعتدال ، هو نفسه «الوسط العادل» الّذي تكلم عنه الحكماء ، والفلاسفة ، ويزيد عليه القرآن تنظيما في تدرج القيم بحسب الجهد الّذي يبذل. فهناك الحد الأدنى الّذي يفرض على الإنسان العادي ؛ وما زاد على ذلك فهو «كمال» يحث عليه القرآن تزداد عليه درجات الفضل ، والمثوبة.
أمّا فيما يتعلق بالقسم الثّاني من الكتاب ، وهو الخاص بالأخلاق العملية ، فقد اختار المؤلف طريقة للعرض تختلف عن طريقة «الغزالي» ، ومن حذا حذوه من المصنفين لآيات القرآن الكريم. فبدلا من أن يجمع جميع الآيات الّتي لها صلة بالسلوك الإنساني ، اكتفى بذكر عدد من الآيات الّتي تشرح بوضوح كلّ قاعدة من قواعد السّلوك ، وتحاشى التّكرار على قدر الإمكان. وبدلا من التّقيد بتسلسل السّور ، أو التّسلسل الأبجدي للمبادىء الأخلاقية ، فضّل انتهاج نظام منطقي. فجمع النّصوص القرآنية ، كلّ طائفة في فصل خاص ، بحسب نوع العلاقات الّتي تنظمها كلّ قاعدة من قواعد الأخلاق : فينطوي الفصل الأوّل الخاص «بالأخلاق الفردية» على الآيات المتصلة بالتعاليم الخلقية للفرد ، والجهد الأخلاقي ، وصفاء الرّوح ، والإستقامة ، والعفة ، والسّيطرة على الشّهوات ، وكبت الغضب ، والإخلاص ، والوداعة ، والتّواضع ، والتّحفظ في إصدار الأحكام ، والإمتناع عند الشّك ، والمثابرة ، والتّحمل ، والإقتداء بالمثل الطّيب ... إلخ.
ومن حيث التّحريمات نجد الآيات الّتي تمنع الإنتحار ، وبتر الأعضاء ، أو تشويه الجسم ، وتحرم الكذب ، والنّفاق ، والبخل ، والإسراف ، والتّفاخر ، والتّعالي ، والحرص على متاع الدّنيا ، والحسد ، والفسق ... إلخ.
ويهتم الفصل الثّاني بتجميع الآيات الّتي تتصل بالأخلاق العائلية ، ويصنفها تحت أقسام : الواجبات نحو الآباء ، والأبناء ، والواجبات نحو الزّوج ، والواجبات نحو