(وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (١) ، وأمّا أنّها ليست كاملة ، فالله يقول : (وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) (٢).
وبعد ذلك ، لأنّ السّعادة ، وضروب التّعاسة مختلطة بعضها ببعض ، في هذه الدّنيا ، فالصالحون يدفعون في الواقع ثمن أخطائهم ، حتّى ما كان منها لمما ، من آلامهم ، وما يلقون من عقبات في هذه الدّنيا ، والله يقول : (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ) (٣) ، ويقول : (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) (٤) ، (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (٥) ـ هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى إنّ أحلك القلوب ظلمة ، وأشد النّفوس سوادا لا تعدم أن تفعل بعض الخير ، ولقد تكون هذه الأفعال مغرضة ، أو عفوية ، أعني : غاب فيها الإيمان بسلطة الأمر. ومع ذلك فإنّ هؤلاء لن يحرموا حرمانا كاملا من أجرهم ، بل إنّ لهم على العكس ـ مكافأة مضمونة ، تدفع لهم فورا ، من طيبات هذه الدّنيا. بحيث تبقى جرائهم دون مقاصة ، تنتظر الفصل يوم الدّين ، ف (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (هود : ١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٦) ، وعليه فلن يبقى من هذا الإختلاط أي أثر ليوم الجزاء ، فمتى ما استقر كلّ معسكر في مقامه الأبدي ، فلن يكون هنالك سوى
__________________
(١) الشّورى : ٣٠.
(٢) آل عمران : ١٨٥.
(٣) آل عمران : ١٥٣.
(٤) آل عمران : ١٦٥.
(٥) النّساء : ٧٩.
(٦) هود : ١٥ ـ ١٦ ، وانظر أيضا : الإسراء : ١٨ ، الشّورى : ٢٠ ، الأحقاف : ٢٠.