تركيبنا الصّناعي من التّفسخ ، فنعود عناصره إلى حالتها البدائية ؛ بحيث نستطيع أن نقول : إننا ننهمك في البحث عن راحتنا وقتا أطول عموما من تمتعنا بها ، حتّى لقد أصبح ما كان مجرد وسيلة ، وقد بلغ في جهودنا مبلغ غاية حقيقية لكثرة ما شغلنا به.
أمّا أننا يجب أن نرى في هذا البحث الجامح عن السّعادة المادية إنحرافا في الضّمير المعاصر ، فنحن نسلم بذلك ، ولكن الدّفعة الأولية تأتي من اتجاه أعمق من أن ننكره ، وإن أسينا له.
ألم يكن مما يتمناه في الواقع كلّ ضمير مرهف أن يصبح الإنسان مستغنيا عن كلّ هذه الضّرورات المادية ، حتّى يعكف على اهتمامات أكثر نبلا ، وأكثر اتفاقا مع النّزهة الإنسانية؟ ...
إنّ هناك وسيلتين أمام العاقل كيلا تستهويه مطلقا هذه الميول الحسية ، الأولى : أن يقاوم هذه الإتجاهات ، وأن يردها إلى حال من الجمود ، وهي محاولات شرسة مصطنعة ، تنتهي إلى الإخفاق في الظّروف الطّبيعية المتاحة.
والوسيلة الأخرى إشباعها في اعتدال ، وتناسب ، كلّما ظهرت ، وبشرط ألّا يتطلب هذا الإشباع منه تضحية بوقت ، أو قوة لازمة لتهذيب الرّوح.
ويبقى من المسلم في حالة العكس أنّ من الأفضل أن نمر بها مرور الكرام ، فلا نبحث فيها إلّا على الحدّ الأدنى الضّروري للحياة.
وإذن فسواء أكانت جهودنا في هذا الإتجاه كبيرة أم صغيرة ، فإنّها لا تجلب لنا سوى سعادة محدودة ، بل إنّها في الوقت نفسه تهدد طهارة حياة الرّوح وكمالها.
ولنفرض على العكس أنّ جميع المتع المرغوبة ، والمشروعة ، روحية ،