سابعا : وأخيرا ، عند ما يتحدث القرآن عن أمور السّماء لا ينبغي أن ننسى أنّه يقصد إنشاءها خلقا جديدا ، له أصالته المجهولة : (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً) (١) ، (وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) (٢).
والواقع أنّه ما من إنسان يعلم ما أعدّ للمتواضعين ، والمحسنين ، والذّاكرين الله في غالب أحوالهم ، من مفاجآت جميلة ، وإنعام يفوق خيالهم ، وقد حدث القرآن عن ذلك فقال : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) (٣) ، وقال الله تعالى ـ في حديث قدسي : «أعددت لعبادي الصّالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر» (٤) ، مما جعل ابن عباس يقول ، وهو من أصوب المفسرين رأيا بين صحابة النّبي صلىاللهعليهوسلم : «ليس في الدّنيا من الجنّة شيء إلّا الأسماء» (٥).
بيد أنّه لا يبدو أنّ هذه الأصالة تبلغ حدّ التّخلص من الواقع المحسوس ،
__________________
ـ ماجه : ١ / ٥٩٧ ح ١٨٥٨ ، مسند أبي يعلى : ١١ / ٤٥١ ح ٦٥٧٨ ، تهذيب الأحكام : ٧ / ٤٠١ ح ١٥٩٩ ، فتح الباري : ٩ / ١٣٥ ح ٤٨٠٥ ، الكافي : ٥ / ٣٣٢ ح ١ ، تلخيص الحبير : ٣ / ١٤٦ ، سبل السّلام : ٣ / ١١١ ، وسائل الشّيعة : ٢٠ / ٣٨.
(١) الواقعة : ٣٥.
(٢) الواقعة : ٦١.
(٣) السّجدة : ١٧.
(٤) انظر ، صحيح البخاري : ٣ / ١١٨٥ ح ٣٠٧٢ و : ٤ / ١٧٩٤ ح ٤٥٠١ ، و : ٦ / ٢٧٢٣ ح ٧٠٥٩ ، منته المطلب : ١ / ٢٥٤ ، صحيح مسلم : ١ / ١٧٦ ح ١٨٩ ، تفسير الجلالين : ١ / ١٣٣ ح ١٧٣ ، تفسير القرطبي : ١ / ٧٧ ، صحيح ابن حبّان : ٢ / ٩١ ح ٣٦٩ ، الذكرى للشهيد الأوّل : ٦٩ ، المستدرك على الصّحيحين : ٢ / ٤٤٨ ح ٣٥٤٩ ، سنن التّرمذي : ٥ / ٣٤٦ ح ٣١٩٧ ، سنن الدّارمي : ٢ / ٤٢٨.
(٥) انظر ، تفسير الطّبري : ١ / ١٧٤ ، طبعة الحلبي سنة ١٩٥٤ م ، و : ١ / ٢٥١ ، طبعة بيروت.