وقبل أن نجيب عن هذه المسألة نعتقد أنّ من الواجب أن نتذكر معنى المصلحات الّتي تصاغ بها. فما المراد بعبارة : نيّة حسنة ، أو سيئة؟
إننا ما زلنا نفترض أنّ الإرادة حبيسة في أعمالها ، وكيفيات هذه الأعمال ، بصرف النّظر عن جميع الدّوافع الّتي قد تحملها عليها.
ومن ثمّ ، فإنّ حسن النّيّة لا يمكن أن يتمثل هنا في شرف الغايات الّتي قد تتحرك بها الإرادة. ومع أنّ دراسة هذه الفكرة الغائية يجب أن نستبقيها للقسم الثّاني من هذا الفصل ، فإنّ قيمة النّيّة تنبع هنا فقط من الطّريقة الّتي نحكم بها على مشروعاتنا ، من حيث اتفاقها ، أو اختلافها مع القانون. ولمّا كانت أحكامنا الأخلاقية لا تتوافق بالضرورة مع واقع الأشياء ، فقد يكون بينها ، وبين الإرادة فاصل ، حين تسعى الإرادة إلى بعض الأمور على أنّها مطابقة ، أو مناقضة للواجب ، ولكنها لا تكون كذلك في الواقع.
والمسألة ، في الحقيقة ، هي في محاولة معرفة ما إذا كان يكفي أن نحكم بصدق على عمل ما بأنّه مباح أو ممنوع ، وأن نتابعه بهذا الإعتبار ، لكي يكتسب الصّفة الّتي أسبغناها عليه ، إن لم يكن في ذاته ، فعلى الأقل بالنسبة إلينا.
وتلك مسألة يصعب علينا إلى أقصى حدّ أن نعطي عنها إجابة قاطعة ، بالإيجاب ، أو بالنفي.
ذلك أننا ، من ناحية ، لو إلتزمنا بدقة التّعبير ، وأخذنا بالفكرة القائلة بأنّ النّيّة الحسنة هي في ذاتها الخير الأخلاقي : «الخير المطلق بلا قيود» ، «الخير الوحيد