لقد بدأنا بأن ميزنا في الفعل الأخلاقي الكامل بين لحظتين : لحظة النّيّة ، ولحظة العمل ، وميزنا في هذه بين : العمل الباطني ، والعمل الظّاهري. ولقد ذكرنا حتّى الآن ما تخص به الأخلاق الإسلامية النّشاط الأخلاقي الباطني من تفوق ، وكانت مهمتنا ميسرة نسبيا ، لوفرة النّصوص الّتي تقرر هذه الحقيقة ، ولطبيعة الموضوع ذاتها. والقصد الآن أن نعرف إن كانت توجد علاقة رتيبة في الأخلاق الإسلامية بين (النّيّة) و(العمل بعامة).
فأن تكون للنّيّة قيمة امتياز بالنسبة إلى العمل الظّاهر ، فذلك ما يستخرج منطقيا من التّدرج الّذي سبق إقراره بين القلب ، والجسد. ولكن أيمكن أن يكون هذا الإمتياز ثابتا لها في مواجهة العمل الباطني؟
ليس لدينا في هذا الصّدد سوى نصّ وحيد ، هو حديث مشهور ، على الرّغم من أنّ السّند الّذي يعتمد عليه الطّبراني (١) والبيهقي ، ليصلا بالنصّ إلى النّبي صلىاللهعليهوسلم ، ليس قويا ، والحديث هو : «نيّة المؤمن خير من عمله ، وعمل المنافق خير من نيته» (٢) وبعد أن ذكر أبو طالب المكي هذا النّص قال : إنّه فسر بعشرة أوجه ، كلّها مقبول ، ويتناول الغزالي في (إحيائه) أكثر هذه التّفسيرات ، فيرفضها جميعا ، ما عدا واحدا ، يعتبره الوحيد الّذي يتفق مع الهدف الحقيقي للشرع الإسلامي. وكان
__________________
(١) رواية الطّبراني هذه عن سهل بن سعد السّاعدي مرفوعا. (المعرب).
(٢) انظر ، كشف الخفاء ومزيل الالباس ، عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة النّاس للمحدث العجلوني : ٣ / ٤٣٠ ح ٢٨٣٦ ـ مكتبة القدسي. (المعرب). انظر ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٤ / ٢٨٥ ح ٦٨٤٢ ، فقه الرّضا : ٣٧٨ ، السّنن الصّغرى : ١ / ٢٠ ح ٤ ، الكافي للشيخ الكليني : ٢ / ٦٩ ح ٢ ، مجمع الزّوائد : ١ / ٦١ ، بحار الأنوار : ٧٠ / ٢١٢ ح ٤٠ ، المعجم الكبير : ٦ / ١٨٥ ح ٥٩٤٢ ، المحاسن : ٢٦٠ ح ٣١٥ ، شرح الزّرقاني : ١ / ٣٤٥ ، علل الشّرائع : ٥٢٤ ح ٢ ، فيض القدير : ٢ / ٤٥ ، أمالي الطّوسي : ٢ / ٦٩.