من بين ما رفضه من الآراء أن قال : «وقد يقال : إنّ النّيّة بمجردها خير من العمل بمجرده دون النّيّة ، وهو كذلك ، ولكنه بعيد أن يكون هو المراد ، إذ العمل بلا نيّة ، أو على الغفلة لا خير فيه ، والنّيّة بمجردها خير». واستطرد يقول : «بل المعنى به أنّ كلّ طاعة تنتظم بنّيّة ، وعمل ، وكانت النّيّة من جملة الخيرات ، وكان العمل من جملة الخيرات ، ولكن النّيّة من جملة الطّاعة خير من العمل ، أي لكلّ واحد منهما أثر في المقصود ، وأثر النّيّة أكثر من أثر العمل ، فمعناه : نيّة المؤمن من جملة طاعته خير من عمله الّذي هو من جملة طاعته» (١).
وإنّا لمتفقون مع الغزالي على قوة هذا التّفسير ، ولكنا حين تابعنا تعليله لم نتقدم في حلّ المشكلة الّتي تشغلنا ، فهو يقتصر في الواقع على هذا الإعتبار المشترك ، المسلم به من وجهة نظر معينة ، أعني : أنّ الغاية الأخيرة الّتي يقصدها الشّرع الإسلامي هي صحة النّفس ، وما تبقى ليس سوى وسائل لبلوغ هذا الهدف. ونحن نقول : ليكن!! .. ولكن هذا الرّجحان لو صحّ بالنسبة إلى الأعمال البدنية ، وهو صحيح ، فهل يكون كذلك في مواجهة العمل القلبي؟ .. وهل النّيّة خير من الجهد الباطني ذاته أو لا؟ ... ولما ذا هذه الأفضلية؟ .. ذلك ما لم يقله.
وعلى الرّغم مما يبدو من تناقض في تأكيد هذا الرّأي ، فإننا نرى ، مع ذلك ، أنّه مما يمكن إثباته ، أوّلا : لأنّ الشّرّاح قد حملونا على الظّن بأنّ هذه هي وجهة نظر الفقه الإسلامي ، لا بالرجوع إلى هذا النّص الّذي ضعف سنده إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ فحسب ، ولكن إلى القولة الأخرى الأكثر شهرة ، والأقوى إثباتا ، وهي
__________________
(١) انظر إحياء علوم الدّين للغزالي : ٤ / ٣٥٥.