بحيث لا تبلغ قيمتها إلّا في العمل التّام.
هذا التّدرج مقبول من النّاحية العقلية ، ولكنه عند ما يصبح متعلقا بجزاء إلهي فربما نجد من الجرأة أن نريد تحديد فضل الله ، وأن نجعله خاضعا لمقاييسنا ، الّتي تثبت أنّها معيبة غالبا.
إنّ من المستبعد أن نحكم على هذه الأمور الإلهية بأنوارنا الفطرية وحدها ، فنحن نعلم أنّه في مجال الحقائق المنزلة يجب أن نطبق منهجا مناسبا ، بأن نلجأ إلى النّصوص الّتي أوحت إلينا هذه الحقائق ، وكلّ ما نملك هو أن نحسن الإختيار من بين هذه النّصوص.
وإذن ، فإنّ لدينا ـ أوّلا ـ أصلا من المبدأ القرآني ، ينبغي أن يؤدي دوره في تفسير جميع النّصوص الخاصة ، فالعدالة الإلهية ، الّتي يعبر عنها القرآن لا تحكم على الأشياء جملة ، أو بصفة تقريبية ، وإنّما هي تزن ميزانا دقيقا كلّ درجة من درجات الجهد : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) (١) ، حتّى لو كان في وزن الذّرة : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (٢). (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٣) فإذا كان الجهد الباطن يستغرق الأجر كلّه فكم من الذرات يضيع!! وإنّه لجدير بنا أن نقول : إنّ لفضل الله مطلق الحقّ في أن يتقبل هذا العمل ، أو ذاك بإحسان أكثر ، وأن يخصه بأجر أكرم مما يستحق في ذاته ، ومن ثمّ يرتقي بالنّيّة إلى مستوى العمل ، وذلك كلّه بعد أن
__________________
(١) الأحقاف : ١٩.
(٢) يونس : ٦١.
(٣) الزّلزلة : ٧ ـ ٨.