يكون قد أعطى كلا بحسب أعماله ـ نعم ، ولكن شريطة ألا تستتبع هذه التّرقية اضطرابا في السّلم كلّه ، وهو ما سوف يحدث لا محالة ، فإنّ جميع الدّرجات العلى يجب حينئذ أن تتطلع إلى ارتقاء آخر ، يجعلها أكثر علوا مما كانت. وإذن ، فلن يعدو الأمر أحد احتمالين : إمّا ألا يجاب مطلبها ، ويصطرع الكرم مع العدالة المنزهة ؛ وإمّا أن تمنح كسبا جديدا ، وحينئذ تكون النّسبة مراعاة ، ويستقر التّدرج مرة أخرى.
ولدينا ـ بعد هذا المبدأ العام ـ نصوص محددة ، تؤكد صراحة هذا الفرق في الدّرجة بين النّيّة المتحققة ، والنّيّة المخفقة :
أوّلا ـ الحديث القدسي ، المروي لدى إثنين من أكابر السّلف ، وأوثقهم سندا ، هما : البخاري ، ومسلم ، وهو الحديث الّذي يقرر أنّ النّيّة الحسنة الّتي لم تعقب أثرا تكتب حسنة ، على حين أنّها تحتسب عشر حسنات لو تحققت ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما يروي عن ربه عزوجل : قال : إنّ الله كتب الحسنات ، والسّيئات ، ثمّ بين ذلك ، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات ، إلى سبعمئة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة ...» (١).
ثانيا : وليس أقل من ذلك دلالة ما أثبته القرآن من فرق بين المجاهدين ، وغير
__________________
(١) انظر ، صحيح البخاري : ٥ / ٢٣٨٠ ح ٦١٢٦ ، صحيح مسلم : ١ / ١١٨ ح ١٣١ ، الإيمان لابن منده : ١ / ٤٩٤ ح ٣٨٠ ، مسند أحمد : ١ / ٣٦٠ ح ٣٤٠٢ ، التّرغيب والتّرهيب : ١ / ٢٧ ح ٢١ ، فتح الباري : ١١ / ٣٢٤ ، المسند المستخرج على صحيح مسلم : ١ / ١٩٩ ح ٣٣٩ ، شعب الإيمان : ١ / ٣٠٠ ح ٣٣٤ ، الإحكام لابن حزم : ٦ / ٣٠٧.